حارس الذاكرة
 

طه العزعزي

طه العزعزي / لا ميديا -
من البديهي، في الثورة، أي ثورة تحدث في العالم، أن ينتهي المطاف بكل الثائرين إلى الموت، سواءً الموت الطبيعي أم غير الطبيعي. كل ثائرٍ فاعل شاركَ في الثورة يتقدم الزمن والعمر به لينتهي إلى الوفاة. ولقد قتل الزمن كل ثائري الثورات في العالم كمنظومة فاعلة، فهل تتوفى الثورة معَ تقدم الزمن ولو بعد خمسين سنة أو حتى مائة سنة وأكثر؟! أم أن هناك مولوداً جديداً يأتي للحفاظ على الثورة أو بالأحرى يأتي لإحيائها؟! هذا المولود الجديد يمكن أن نطلق عليه "حارس الذاكرة".
مثلاً، كواقع استشرافي، هل سيؤمن إنسان القادم، الكائن المستقبلي، الذي سيولد مثلا في عام 2100 بثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2014؟! من الغباء أن نُغفل حساب الثورات الناجحة التي قامت على مدى تاريخ بعيد. ثورة الحسين مثلاً قبل عدة قرون زمنية من الآن، نجدنا نحن المولودين في هذا الزمن وفي هذا القرن، نحتسب لهذه الثورة أنها قامت لأجلنا، من خلال أسسها في رفع الظلم وإرساء قيم ومبادئ الدين، أي اكتسبت فضاءً دينياً وإنسانياً، ولم تكن لحظوية تقتصر على ذلك الزمن بعينه. هذه الثورة التي تم مواجهتها بدموية وبطش وبأدوات المحو التاريخية والإنسانية أثبت التاريخ ذاته صدق ثائريها ومبادئها وتوجهها ومنهجية ثورتها في نسف الظلم. وبالمثل، نحسب لثورة 21 أيلول/ سبتمبر أنها امتداد حقيقي عبر الزمن لثورتي الحسين والإمام زيد، هذه الثورات نظيفة جداً، ولا يمكن أبداً إزالتها من التاريخ، ثورات مظلومية، بما يعني أن هنالك ثائراً مستقبلياً سيأتي لإشعالها مرة أخرى والدفاع عنها، وهذا ما حدث في الـ21 من أيلول.
وهنا، نستطيع القول بأننا حراس الذاكرة التاريخية لهذه الثورات السابقة في هذا الزمن، تشاركنا في ذلك حماسة اللحظة الثورية التي عشناها وتقدمت بنا شوطاً نحو المستقبل، ودم القضية الذي لم يزل حياً فينا، وأبداً لسنا كالحارس الناطح أو المتعصب دون أن نعي حرب التاريخ والزمن التي يعمد مشعلوها إلى نسف حقائقها وإعادة بقر جسد الضحية المظلوم وسفك دمه مرة أخرى.
وأهم ما يمكن التركيز عليه هنا هو مدى بعد اللحظة الثورية وانتقالها في الزمن، كذلك البعد العملي والسلوكي والروحي، دفعاً للتوهم في كون ذلك مجرد نظريات حمراء وتجريدية ترتبط بالأفكار ولا ترتبط بالعمل الثوري والقيم العامة، مثل هذا كمن يختزل حراسة الثورة في إحياء مناسبات ونشر ملصقات فقط دون أن يكون ذلك انطلاقاً من نفسية صادقة.
بالإضافة إلى أن من المهم أيضاً اقتداء الموظفين في الدولة بهذا المفهوم والتركيز على بناء دولة الـ21 من أيلول من داخلها وتكوينتها الثورية ذات الجذور وليس من خارجها، والتزام المجاهدين بأسس هذه الثورة الدينية والسياسية والاقتصادية.
إن حارس الذاكرة المستقبلي، ذلك الذي لا يستعمل الدهشة في التاريخ بقدر ما يكون له القدرة على عدم الهبوط بتاريخ أجداده. إنّ حارس الذاكرة المستقبلي هو ذلك الحارس الأنيق الذي لا يقف أمام باب أو في تلة أو على جبل بقدر ما يقف مع الحقيقة والحق. هذا هو حارس الذاكرة؛ أنا، أنتم، أو جميعنا.

أترك تعليقاً

التعليقات