محمد الباشق

القاضي محمد الباشق / لا ميديا -
انطلاقاً من اليقين بوعد الله الحق في قوله جل شأنه: «ونكتب ما قدموا وآثارهم»، وفي قوله جل جلاله عن أمنا الكبرى الأرض: «تحدث أخبارها»، أزف هذه البشرى إلى كل من عمل وتحرك وساهم أي مساهمة كانت في شرف الاحتفاء والاحتفال بالمولد النبوي الشريف، سيجد بل سيشاهد في صحيفة أعماله كل ما قام به ليس فقط مكتوبا،
بل إن قول مولانا المهيمن العزيز في آية في سورة الكهف احتال عند تفسيرها الكثير فيما مضى وتجلت جزئيات يسيرة من معانيها في العصر الحديث، والآية نستشهد بجزء منها هو: «ووجدوا ما عملوا حاضرا» بالصوت والصورة، بالزمان والمكان، فنسأل الله الذي أظهر الجميل وستر القبيح أن يجعل جهود وسعي وأعمال ومساهمة ومشاركة كل فرد منا في شرف الاحتفاء والاحتفال بالمولد الشريف صفحة بيضاء بها تبيض وجوهنا جميعا وبها العفو الكريم من ربنا الغفور الرحيم عن كل ما بدر منا من سيئات وآثام وذنوب، لأن كل عمل أو موقف أو سلوك يؤدي إلى إحياء المولد الشريف هو:
1 ـ تعظيم لشعائر الله، والدليل واضح وجلي من ربنا العلي الأعلى في مدح من يعظم شعائره والشهادة له. وصدق الله: أي شيء أكبر شهادة، قل الله»، شهادة الله لمن يعظم الشعائر بالتقوى وأعظم الشعائر صدق المشاعر، فمن حن له الجذع ألا تحن إليه القلوب، ومن شكت إليه الحيوانات ومن سلم عليه الحجر، وكان في مكة زقاق يسمى زقاق الحجر، ومن جعله الله أمناً من العذاب، فقال سبحانه: «وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم». و»فيهم» هنا ليست خطابا لسكان مكة والمدينة، بل لمن سكنت في نفوسهم محبته صلوات الله وسلامه عليه وآله.
ورحم الله ابن الجوزي الواعظ الكبير في زمانه عندما سئل عن مثل في حياة الناس، هو قولهم: «من أجل عين ألف عين تكرم»، هل في كتاب الله ما يوافق هذا المثل؟ فأجاب بقوله تعالى: «وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم»، فأكرم به البشرية. ومن صدقت مشاعره مع سيدنا محمد وآله وجد العز والتوفيق والأمان هنا ويوم يقوم الأشهاد.
2 ـ أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو القدوة لنا في كل الأعمال، إلا الصلاة عليه، فالقدوة فيها الله، وهذه إشارة إلى أن من كان مع الله وملائكته مصليا على سيدنا محمد وآله فهو حتما السعيد.
3 ـ أن الاحتفاء والاحتفال برسول الله صلوات الله عليه وآله مظهر من مظاهر الجهاد، فآية الصلاة عليه في سورة الأحزاب؛ وهي سورة تحدد مسؤولية القائد والأمة في مواجهة الأعداء، وبعد أية الصلاة آيتان عن عقوبة من يؤذي الله ورسوله والمؤمنين، فنجد معنى إشارياً بديعاً بأن إظهار الاحتفاء والاحتفال تغيظ الكافرين الذين عداوتهم لسيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله مستمرة، وأضيف هنا الإشارة الكريمة في أول سورة محمد بالحديث عن الكافرين تأكيد أن أي عمل أو قول أو فعل أو سلوك يجسد الاهتمام بإظهار محبته وذكره والثناء عليه يغيظ الأعداء.
4 ـ إن الاحتفال والاحتفاء طاعة لله الذي أمر في سورة الفتح بتعزيره وتوقيره صلى الله عليه وآله وسلم، فمن عزره ووقره صلى الله عليه وآله وسلم فتح له الخيرات.
5 ـ أن الاحتفاء والاحتفال بالمولد الشريف من سلوك من جاء طالبا من رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله أن يستغفر الله، وأي شرف أسمى وأي نعمة أكبر لنا جميعا من أن نسلك سلوك طلب المغفرة من الله باستغفار رسول الله لنا؟! فقد طلب إخوة يوسف من سيدنا يعقوب أن يستغفر لهم. ونحن بلسان الحال خروجنا احتفاء واحتفالا نقول: يا سيد الخلق، ها نحن نخرج رغم الحصار والعدوان، بك يا سيد الخلق نفرح ونسعد.
6 ـ أن هذه المواقف اليمانية إرث من أجدادنا الأنصار ورثنا منهم قولهم: «رضينا رضينا»، بعد أن قال لهم سيدنا رسول الله صلوات الله عليه وآله وأزكى السلام: «ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير وتذهبون برسول الله حظا ونصيبا؟!»، فقالوا بصدق المشاعر والدموع تجري من العيون: «رضينا رضينا». فنحن بفضل الله الورثة بلا حجب ولا حرمان لهذا القول والموقف.
7 ـ أن كل ما نقوم به وكل حركة ونية هي ضيافة لنا في رحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكرم الضيوف ومعطي الوفود جزيل العطاء ومن يرد بأجمل السلام وأجمل وأطيب الكلام وقد سلم علينا قبل أن نسلم عليه. ثبت هذا واشتهر بحديث ابن مسعود كما أورده الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفؤائد: «اقرئوا من يأتي من بعدي من أمتي السلام»، فالسلام عليك يا سيدي يا رسول الله سلاما نسلم به من جميع الآفات هنا ويوم يقوم الأشهاد، لذا نطلب بكل مظاهر الاحتفاء والاحتفال ضيافة سيدنا رسول الله، وقد وردت في سورة الأحزاب آداب الضيافة، ووردت في سورة الحجرات آداب اللقاء، ووقر في الوجدان وتجلى في الأكوان: «واعلموا أن فيكم رسول الله»، فهو المطلع على الأعمال في آية: «فسيرى الله عملكم ورسوله»، وهو فينا ومنا في آية الحرص علينا.
خاتمة: التوبة مفتتحها: «لقد جاءكم»، ونحن هنا في مظاهر الاحتفاء والاحتفال نفد إلى مائدة رسول الله، وهو المطعم للقانع والمعتر، ونحن نعتر، أي نعرض أنفسنا للعطاء، نقول بلسان الحال والمقال: حسبنا الله، سيؤتينا الله من فضله ورسوله، إنا إلى الله راغبون.

أترك تعليقاً

التعليقات