محاريب وخنادق «تأمل»
 

محمد الباشق

حلقات يومية يكتبها القاضي محمد الباشق / لا ميديا -

في هذه الحلقة نتأمل في لفظ "كُتِب"، تعالوا إخواني نتأمل في اللفظ القرآني الكريم، ما هي الأمور التي ذكرها الله سبحانه وتعالى أنه كتبها بمعنى أوجبها وفرضها؟ وهل كتب علينا نحن البشر المكلفين؟ إخواني إننا بالتأمل في هذه اللفظ القرآني نجد أن أول ما كتب هو في حق الله، حق تفضل الله سبحانه وتعالى، فجعله حقا للخلق عليه. وهنا نذكر مقولة الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه وعلى آبائه السلام، عندما سئل: هل الحب من الدين؟ فقال عليه السلام: وهل الدين إلا الحب؟! 
وهذا الحب هو حب الخالق لخلقه، فأهل الاستخلاف في الأرض، أهل التمكين، قبل قيامهم لله بما أوجب عليهم، جاء الخطاب بالمحبة: "فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه". 
سبحانه، هو الحبيب، هو الودود، هو الحفي، هو المنعم، هو سابغ النعم، هو الغافر الغفار الغفور واسع المغفرة واسع الرحمة أرحم الراحمين، كتب على نفسه الرحمة. نعم، كتب على الخلق القصاص في القتلى، وحقوق النساء في الميراث، وكتب القيام بالحقوق الزوجية (انظر الآية 187 من سورة البقرة بعد آية "كتب عليكم الصيام")، وذكر بشأن ليالي رمضان والعلاقات الزوجية وأن القيام بالحقوق الزوجية مما كتبه الله (تأملوا في الآية 180 من سورة البقرة) ذكر سبحانه وتعالى كتابة الوصية على من ترك خيرا، بمعنى مالاً، وهنا نظرة إيجابية للمال والإرث، وكيف علينا أن نتصرف في أموالنا بما فيه مصلحة الأقارب من بعدنا، فسبحانه من رؤوف رحيم وبحمده. والآية 216 من سورة البقرة "كتب عليكم القتال". وهنا أذكر أن الشهيد القائد ذكر في الملازم ما معنى كلامه رضوان الله عليه أن علينا أن نقوم بكل  لفظ كتب، ليس فقط كتب الصيام، لأن الأوامر في كتاب الله بقوة واحدة علينا أن نقوم بها جميعا. ونجد في الآية 282، أطول آية في القرآن الكريم، أمراً بكتابة المعاملات المالية.
ونجد في الآية 181 من سورة آل عمران والآية 79 من سورة مريم النص القرآني الصريح على كتابه أقوال العباد. والآية 79 من البقرة والآية 81 من النساء والآية 12 من سورة يونس والآية 80 من الزخرف والآية 12 من سورة ياسين والآية 19 من سورة الزخرف... فالكتابة ليست فقط للأحكام الشرعية.
فالقرآن الكريم يوضح أن الحق سبحانه وتعالى كتب على الخلق هذه الأحكام في علاقتهم فيما بينهم من علاقات أسرية ومالية واجتماعية وعبادات وشعائر ومشاعر وأحكام لا قيام لوجودهم وكيانهم وعزهم وأمنهم إلا بها. وهو كتاب الجهاد بسعته. ذكر سبحانه وتعالى في سورة التوبة الآيتين 120 و121 كتابة أحوال وسلوكيات المجاهدين، وأن كل عمل ينفع الأمة وكل عمل يعطل ويوقف مخططات ومؤامرات الأعداء مكتوب عند الله "عمل صالح"، وأنه مكتوب لهم أحسن الجزاء.
نجد كما كتب على نفسه الرحمة سبحانه وتعالى، كتب التمكين والنصر لمن جعل كل حياته لمراد خالقه متمسكاً بهويته الإيمانية.
ونحن بين الهوية أو الهوى. من جاء بالهوية استحق ما كتب الله لمن قام بمنهجه (أنظر الآية 105 من سورة الأنبياء). بكتابة إرث الصالحين للأرض تمكيناً بعد استضعاف، إصلاحاً بعد إفساد، وعدلاً بعد جور، وقسطاً بعد ظلم، ومحبة بعد بغضاء، واجتماعاً بعد فرقة، وإعماراً بعد خراب وهدم.

أترك تعليقاً

التعليقات