محاريب وخنادق «النطق»
 

محمد الباشق

حلقات يومية يكتبها القاضي محمد الباشق / لا ميديا -

حكمة إمامنا جعفر الصادق عليهم السلام التي تختصر منهج أثر النطق في حاضرنا ومستقبلنا هي شرح لحديث الأكرم، حيث أمر الرسول صلوات الله وسلامه عليه وآله, من يؤمن بالله واليوم الآخر أن يكرم جاره وأن يكرم ضيفه وأن يقول خيرا أو ليصمت، فما ننطق به يكون أثره علينا مثل الجار أو الضيف، فلنكرم أنفسنا بحسن اختيار وانتقاء ما ننطق به، ولأن الكلام الذي لا نرغب ولا نحبذ ولا نحب ولا نريد حصوله مجرد النطق به يكون له أثر سيئ على حاضرنا ومستقبلنا، أعاذنا الله جميعا أن ننطق بما نكرهه.
وأضرب هنا أمثلة تقرب هذا المعني، وأيضاً أملي من إخواني القراء جميعا أن يتذكروا أثر الكلام في حياتهم أو مما سمعوا من قصص ومواقف، فنتذكر أننا في التاريخ وفي قرانا وحاراتنا عرفنا أناسا نطقوا بكلمات معينة وأكثروا منها، فصارت ألقابا عرفوا بها أو وصفا لهم كلما ذكروا. وعرفنا وسمعنا عن أناس توقعوا أمراً من أمور حياتهم ونطقوا به فصار أمراً واقعا في حياتهم... لذا أكتب هذا وأقول للجميع: علينا أن نتجنب توقع حصول البلاء، بل نسأل الله العافية.
كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب التفاؤل وينهى عن التشاؤم. التفاؤل أو الاستبشار خيرا بما تسمعه أو تشاهده عند خروجك من منزلك أو عند الإقدام على عمل أو سفر أو غير ما سبق من شؤون الحياة. وهناك أحاديث عدة وإن اختلفت أقوال علماء الحديث بشأنها من حيث السند والمتن إلا أن أثرها وشواهدها تؤيد وتؤكد أثر الفأل الطيب ودوره. وأعرف أناسا نطقوا أو توقعوا شيئا معينا وحصل، ومن لهم دراية بالطب يؤكدون أثر الكلمة على المريض ودور الاستبشار بالشفاء وحصول العافية.
لذا مع وجود التدابير الاحترازية من وباء كورونا أنصح الجميع دون استثناء أن نعمل جميعا بحكمة الإمام الصادق: "كل ما تكرهه لا تنطق به". نستبشر خيرا ونتوقع حصول الخير. وأتذكر هنا أن من عاير أو سخر من إنسان بذنب أو عاهة أو علة لا بد أن تصيبه أو جزء منها. وعرفنا أناسا كانوا يقومون بتقليد شخص ما في مشيته أو حركة عيونه بهدف السخرية أو تقليده في حركة ما أو إشارة، ومع مرور الوقت أصابهم جزء من تلك العلة أو صاروا فعلا مثل من كانوا يقلدونه ساخرين.
كان الصوت سابقا للكلام والإصغاء قبل التعليم ومنافذ الإحساس، من سمع وبصر ولمس وشم وتذوق، هي مصادر للعقل لمعرفة الأشياء والحكم عليها. والصوت مرتبط بالسمع ومرتبط بالكلام. ومن فقد السمع يشعر بالعجز، وقد يعاني من الشك، فالروابط النفسية في مجال الكلام وعلاقته بالصحة النفسية مسألة محل دراسات وأبحاث في مجال الطب النفسي وعلم الاجتماع والعلوم التي تهتم بالطاقة الإنسانية، لذا فإن العاقل يتجنب دائما توقع الشر أو النطق به، وفي الحديث الصحيح أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "لا تتمنوا لقاء العدو، فإذا لقيتموه فاصبروا".
فإذا كان للكلام أثر وللأصوات والضجيج أثر وللبقاء في مكان واحد لفترة ما، وكان للمكان ألوان معينة أو بقاء الشخص لظروف معينة صامتا أثر، فحتما أن للكلام الذي نتكلم به، خصوصا ما يحصل الإكثار منه أثر، ويكفي الدليل الأول حديث الأكرم، ولنعش مع حكمة الإمام الصادق بأن نتجنب النطق بكل ما نكرهه.

أترك تعليقاً

التعليقات