محاريب وخنادق «إرث الأبوين»
- محمد الباشق الجمعة , 8 مـايـو , 2020 الساعة 12:07:54 AM
- 0 تعليقات
حلقات يومية يكتبها القاضـي محمد الباشق / لا ميديا -
معروف أن الورثة إما أصحاب فروض وإما عصبة، وهناك محجوب حجب نقصان ومحجوب حجب حرمان، نعوذ بالله من الحجب والحرمان، وعطايا الله لآدم إرث انتقل منه إلى أولاده، ولأننا في دار الاستخلاف (الأرض) ومن فاز هنا استحق العودة إلى الجنة، فكلنا كبشر بالمصطلح المحلي «نقايل»، لا أقصد بالمفهوم الضيق من بلد إلى آخر، بل نقايل من الجنة إلى الأرض. والله يعيدنا بتوفيقه إلى منزلنا الأول الجنة.
والإرث الذي أتحدث عنه هنا ليس إرث العلم والمعارف، بل إرث التوبة والإنابة والرجوع إلى الله، حيث قال أبونا آدم وأمنا حواء: «رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ». وقد ورث الأب الثاني سهما من هذا الإرث حيث جاء على لسان سيدنا نوح في السورة التي تحمل اسمه جاء في أواخرها أنه دعا الله: «رَبِّ اغفِر لي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيتِيَ مُؤمِناً وَلِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ وَلا تَزِدِ الظّالِمينَ إِلّا تَباراً».
وورث سيدنا محمد صلوات الله عليه وآله أعظم النصيب من طلب المغفرة، حيث هي شكر الفتوح والنصر كما جاءت في سورة النصر تسبيح مقرون بالاستغفار، وأمره الله بكلمة التوحيد أعظم وألذ وأقوى وأصدق وأجل وأكبر وأنور وأبرك وأطيب وأطهر وأبقى وأعز وأغنى وأسعد، كلمة العروة الوثقى، الصراط المستقيم، فاعلم أنه لا إله إلا الله، وجاء بعدها الأمر بقوله جل شأنه: «واستغفر».
وكذا الأمر في سورة الفتح، وكذا الأب الثالث خليل الرحمن (سيدنا إبراهيم عليه السلام) في الآية 41 من سورة إبراهيم: «رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ». وفي آية الهوية الإيمانية آخر سورة البقرة: «غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»، وأيضاً: «وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا».
وفي سورة المؤمنين إشارة قرآنية إلى أن كل مؤمن له إرث من الأبوين بطلب المغفرة، ففي الآية 109 قول فريق من المؤمنين: «رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ». وآخر السورة في أمر من الله أيضا لسيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله: «وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ»، بل إن الصلة بين المؤمنين عبر الأجيال وإن طالت العصور وتباعدت الأماكن، السلام على الصالحين في الصلاة والدعاء بالمغفرة للمؤمنين، انظر الآية 10 من سورة الحشر: «وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ»، بل إن هذا الإرث يستمر الأخذ منه حتى في القيامة، فمن أدعية المؤمنين «رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
إذن، إخواني القراء الكرام، أنصح نفسي والجميع أن نكون ممن يعفو ويصفح ويسامح، فالله أكرم من أن يخذل ويعاقب، من سيرته العفو والصفح، نحن في أيام المغفرة فلا نبخل على أنفسنا ونطلب من الله المغفرة والصدقة والاستغفار وبر الوالدين وبر من كان يودهم وجبر خواطر العباد، كلها مؤهلات للحصول على مغفرة أرحم الراحمين وخير الغافرين، ولنا أسوة بما جاء في قصة سيدنا يوسف مع إخوته حيث عفا عنهم بعد أن رأى المسكنة والضعف والفقر والحاجة والتذلل بادياً وظاهراً على ملامحهم وكلامهم، وشكواهم من الضر الذي مسهم، واعترافهم أن بضاعتهم ضعيفة وهم يطلبون منه ما يقيم حياتهم وحياة أسرهم من حب وطعام، فلم يستطع أن يتمالك نفسه أمام ما شاهد من حالهم وسمع من مقالهم، وباشرهم بإخبارهم بالحقيقة، فقالوا تالله لقد آثرك الله علينا، واعترفوا بما بدر منهم، فكان العفو الكريم بلا عتاب ومناقشة ولا عقوبة ولا حساب: لا تثريب عليكم اليوم.
ونطمع جميعا أن نسمع من الله أن يقول لنا لا تثريب، وإنه لمطمع كما قال أبونا بالملة والنسب الخليل إبراهيم: والذي أطمع أن يغفر لي، إذن لنطمع في مغفرته سبحانه وبحمده لا يخيب من استغفره، بل من أُلهم الاستغفار فقد حصل على الأمان من العذاب والنجاة من المهالك.
المصدر محمد الباشق
زيارة جميع مقالات: محمد الباشق