محاريب وخنادق «الحمد»
 

محمد الباشق

حلقات يومية يكتبها القاضي محمد الباشق / لا ميديا -

أفتتح الحديث عن الحمد، بالحمد لله رب العالمين، وأتحف إخواني القراء الكرام بجواب الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهم السلام) عندما سأله أحد الأفاضل عن دعاء جامع، حيث إن الأدعية كثيرة جداً، ويريد دعاء جامعاً لكافة الأدعية، سؤال يدل على الحرص في الحصول على جواب شافٍ كافٍ لرجل يريد دعاء جامعاً للمطالب ومقبولاً، يغنيه ويكفيه عن بقية الأدعية، والسائل موفق حيث اتجه بالسؤال لقرين الذكر إمام الأئمة، سليل العترة، بل هو من العترة الزكية الطاهرة، وهو ممن يعد التمسك به بمثابة أمن من الضلال، وأجابه إمامنا الصادق بقوله: "أكثر من الحمد لله، فإن كل مصل يدعو لك بالقبول"، وذلك في قول المصلي سمع الله لمن حمده.
إخواني القراء الأفاضل الكرام جواب إمامنا يحتاج أن نتأمل فيه، حيث إن الحمد، هذه الكلمة العظيمة افتتحت بها 5 من سور القرآن الكريم، وهي:
السورة الأولى: "سورة الفاتحة"، حيث الحمد الآية الثانية في السورة، كما أن الحمد من أسماء "سورة الفاتحة"، حيث تسمى أيضاً "سورة الحمد"، والفاتحة فيها أساس القرآن الكريم وقواعده الكلية.
السورة الثانية: "سورة الأنعام" التي تتحدث عن النعم المادية وحال المؤمن معها، وبالإضافة إلى افتتاح السورة بالحمد، فقد ورد الحمد أيضاً ضمن السورة، حيث جاء فيها الحمد لله على نعمة قطع مؤامرات وخطط الظالمين، وأن كل مراد ومسعى لهم خائب.
السورة الثالثة: "سورة الكهف" التي تتحدث عن حال المؤمنين في مرحلة الاستضعاف وإحاطة ألطاف الله بهم، وأيضاً فيها تعليم لنا للحوار مع الجاحد والشكر العملي، وقصة الصراع المستمر مع إبليس، وعن مشاهدة الأعمال يوم القيامة، وقصة دور أولياء الله في حياة الناس، وكيف أنه دور مستمر، وفهمه يتطلب التأمل في الواقع بمعرفة رعاية الله لخلقه، وقصة حال المؤمنين في مرحلة التمكين وفن الإدارة، واختتمت بإيقاظ الهمم حول المستقبل القادم، هذه لمحة مختصرة جداً عن "سورة الكهف" التي افتتحت بالحمد.
السورة الرابعة: "سورة سبأ" التي تتحدث عن صراع الحضارات وحال الأمم في التعامل مع النعم، وإشارة كريمة إلى الدور المنوط بأهل اليمن.
السورة الخامسة: "سورة فاطر" التي أيضاً افتتحت بالحمد، وتتحدث السورة عن الإنسان والكون.
كما أن هناك 5 من سور القرآن الكريم اختتمت بالحمد، وهي:
السورة الأولى: "سورة الإسراء" التي تتحدث عن آية ومعجزة الإسراء، وعن فساد اليهود، وأن في التمسك بوصايا الله لعباده نجاة من تسلط اليهود، ولأن العاقبة نصر وتمكين كانت خاتمة السورة بالحمد.
السورة الثانية: "سورة الزمر" التي تتحدث عن حال أهل الجنة وأهل النار في الدنيا والآخرة، فلا يوجد مفاجأة لكل فريق في ما هو قادم إليه، وجاءت خاتمة السورة بالحمد.
السورة الثالثة: "سورة النمل"، التي تتحدث عن أحداث من مستقبل هذه الأمة، وأن الله يخبر عباده ويعرفهم بالآيات بطريق واضح جلي، "وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها".
السورة الرابعة: "سورة الجاثية" التي تبين تنوع أثر آيات الله على مشاعر وجوارح الناس، آيات لمن يعقل وأخرى لمن يعلم، وآيات أيضاً لمن يريد أن يتذكر.
السورة الخامسة: "سورة الصافات"، وفيها آيات عن دور الرسل ومنهج الله في الكون والإنسان، وخاتمة السورة بالآيات الثلاث الأخيرة التي هي المكيال الأوفى لبركة الأعمال الصالحة والتبرك بحصول الإجابة اختتمت بالحمد.
فالحمد ذكر لله ودعاء، لأن الحمد اعتراف بنعم الله وطلب لحفظ ما هو موجود وحصول المأمول ولنيل المطالب، فهو ثناء بثقة وقول وتلفظ برجاء وتبتل، وبعد ركن الركوع الذي فيه معنى روحي بلسان حال من يحسن الركوع، بأني مستعد أن أقدم حتى رقبتي لنيل رضاك يا الله، لذا كان المناسب بعد هذا أن يكون القول للانتقال من ركن الركوع إلى ركن السجود "سمع الله لمن حمده"، وسمع الله للكائنات سمع إحاطة يعلم السر وأخفى، وسمع إجابة لمن حمده، فالحامد لله تعالى مسموع حمده، أي مجاب قصده، فالإكثار من الحمد يحفظ النعم ويرد شاردها، وبه تزداد النعم وتنجذب للحامد، فإذا كان الله خاطب حتى من شرد أن يعود رحمة بهم سبحانه وتعالى، فإن رحمته ولطفه بمن حمده أسرع وأكثر وأكبر، وخاتمة مشاهد فصل الحساب بالحمد "وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين"، والحمد من الباقيات الصالحات الممدوح أثرها في "سورة الكهف" ببقاء الثواب وسعة الآمال فيها وبها، والممدوح أثرها في سورة مريم بالثواب المردود الحاصل منها "وخيرا مردا".
وصح في الحديث وصف الحمد بأنه ذكر ودعاء، والشكر والحمد بينهما خصوص وعموم جمع لأهل الجنة "وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور"، والحمد مقام من مقامات القرب، تأملوا في آيات "إن الله اشترى" نجد صفة الحمد في بيان شرف هؤلاء الأخيار الذين قبلهم الله فتقبل بيعهم له سبحانه وبحمده، والتسبيح مع الحمد ذكر الراكع والساجد وحال الفاتح والمجاهد والمنفق، وتلى حال العابد مرافقه في الصفات اجتماعا لا يقبل التفرقة وما يطلب الفضل من الله إلا بحمده، الحمد لله رب العالمين.

أترك تعليقاً

التعليقات