مع الإمام زيد
 

محمد الباشق

القاضي محمد الباشق / لا ميديا -
مع الإمام زيد عليه وعلى آبائه وعلى أولاده الشهداء أزكى السلام، مع الإمام زيد نتأمل في البيئة الإيمانية التي نشأ بها، فهو ابن زين العابدين وسيد الساجدين الإمام السجاد، الذي جاهد بأخلاقه وسلوكه، فمن عتق للعبيد وحمل للصدقات وطعام عدد من أسر المدينة المحتاجين، وجهاده دعاء وتربية ونصحا وإرشاداً، فوالده اشتهر بالمكرمات والكرامات في دولة بني أمية بشقيها السفياني والمرواني، ولم تستطع التهم الإعلامية تنفير الناس عنه؛ لأن الإمام السجاد عليه أزكى السلام ممن تهوي إليهم أفئدة أخيار الخلق، لذا فإن من رباه زين العابدين هو زين المجاهدين.
فمع الإمام زيد في نشأته نجد أنه تربى على الهدى واليقين والتقوى والدين، فطيب المولد وسلامة المنهج وسمو النفس والتربية الكريمة العظيمة التي أنعم الله بها على الإمام على يد إمام نور على نور. ومع الإمام زيد في رعاية شقيقه الأكبر الإمام محمد بن علي الباقر الذي رعاه بعد رحيل والده إمامنا السجاد، فكانت الرعاية التالية استمرارا للرعاية الأولى، ذرية بعضها من بعض، فهنيئا للإمام زيد هذه المحتد العريق.
قرناء الكتاب وأئمة الهداية والرشاد، الحق منهم إليهم فيهم وبهم. مع الإمام زيد في سنوات تدبره للكتاب العزيز، حيث عاش سنوات مقرنا للكتاب بنماذجه الحية، الإمام السجاد والإمام الباقر، فمن هذه النماذج جعل الله في قلب الإمام زيد تعلقاً بكتاب الله، فلا فلسفة إغريقية يستقي منها المعارف ولا آراء علماء البلاط وأتباعهم تؤثر فيه أو تحاول الاقتراب من نفسه، ولا سموم السلطة الأموية من جبر وتشبيه تحاول أن تمسه بطائف شياطينها، ولا شبهات الثقافات المغلوطة والعقائد الفاسدة تحاول أن تقترب منه.
لذا، فمن المحجة البيضاء الخالية الصافية من فرث الطغاة ودماء الغلاة نكون مع الإمام زيد في جهاده، فجهاده الذي رفع شعار "من أحب الحياة عاش ذليلا"، شعار تلك المرحلة التي جعل طغاة بنو أمية حب الدنيا فيها وسيلة كل من يريد أن يعيش على وجه الأرض تحت سلطانهم سلطان الجور وإعلان الفجور، فطاعة الطغاة غاية من أشرب في قلبه حب الدنيا، أي دنيا؟! دنيا الذل، دنيا الهوان، دنيا الفتات والحصول على عطايا الطغاة ببيع الدين، فمن رضي بدنيا يسود فيها الظلم ويستشري فيها الفساد، فشعار الإمام زيد، فصرخة الإمام زيد حجة عليه. أما دنيا العز والجهاد والتمكين فهي جنة، وهي وعد الله لمن اعتزوا به وكفروا بكل طاغوت، فقبل الله إيمانهم به.
فنحن مع الإمام زيد المجاهد الذي أعلن البصيرة وسيلة والجهاد وسيلة لغاية عظمي هي أن يكون الدين كله لله، فلا جزء من الدين يكون على مزاج الحاكم، ولا يكون جزء من الدين على أهواء علماء السوء، ولا يكون جزء من الدين بمفهوم الجاهلية، بل الدين كله لله الخالق المهيمن الصمد الذي له الخلق وله الأمر، الله الذي أوجب علينا أن نكون عبيدا له كما يحب، ونعبده كي يرضى ونجتهد في إقامة الجهاد، ونكون أصحاب نوايا صافية.
لأن في قصة أصحاب الجنة المبسوطة في "نون" عبرة لمن نيته ملوثة، وفي حيلة أصحاب القرية المبسوطة في سورة "الأعراف" عبرة لمن يتعامل بالحيلة في دينه، ومن احتال في دينه تلون في دنياه فرضي بحياة تكون غايته فيها بقلها وقثاءها، له متاعا، فإنه يقبل أن يحكمه المتردية والنطيحة، وكما شهدت الأجيال على ذل من أحبوا حياة المتاع الزائف، المتاع الممزوج بالخضوع، والمغمس بالمداهنة، والمغلف بالنفاق.
فسلام الله على من قال للأحرار أصحاب البصيرة: "من أحب الحياة عاش ذليلا".

أترك تعليقاً

التعليقات