محمد الباشق

القاضي محمد الباشق / لا ميديا -
حاز الإمام الحسين مرتبة سيادة أهل الجنة، بجهاده العظيم واستشهاده الكريم وتقديمه النفس والولد والإخوة والأقارب والأصحاب في ملحمة بطولية تطول الدهور وتبقى حية ظاهرة الأنوار مستمرة البركات، طيبة الثمار. واستمر آل البيت في جهاد بذل النفس وما دون النفس من بعده؛ لأن لهم أسوة وقدوة بسيد الخلق وأهل الكساء.
وفي عصرنا هذا كنا نقرأ عن الشهداء في بطون الكتب، ونتحدث عنهم في نافلة الحديث في بعض الأحيان حديثا عن أمر غائب وعن فئة لا نراهم، وما إن تنفس صبح الهدي في جوانح نفس السيد الشهيد حسين العصر وزيد هذا الجيل، صار الحديث عن الشهداء واقعا معاشا، وصارت معرفة الشهداء ومعاشرتهم حاضرا فينا وبيننا ومنا، ولم يعد من نافلة القول ولا من خلال كتب التاريخ والسير، بل نشاهد ونعايش مجالات الجهاد وقصص أهل البذل والعطاء والاستشهاد، لذا فإن الدروس والعبر التي نأخذها من خلال التأمل في استشهاد السيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، وأرى أن من الأبعاد الإنسانية والدينية والسياسية ما يمكن أن أوجزها في نقاط.
إن الباطل مهما انتفش ومهما ظن أن سطوة سلطانه محكمة، وأن أبواق إعلامه متمكنة، وأن أجهزته الأمنية والاستخباراتية مسيطرة، فإن لله رجال يجري في دمائهم صدق الغيرة على الدين، وينير جوانح أبدانهم وبصائرهم سمو هممهم وعلو همتهم، حرصا على رضا الله، فلا يبالون ببطش طاغوت، ولا يهابون صولة المستكبر، ويعلي الله ما في حنايا نفوسهم من صدق النوايا إلى أن يكون إعلاما يصل إلى الناس من خلال أكاذيب وافتراءات إعلام المترفين؛ لذا فإن وحشية ما تعرض له شهداء “جرف سلمان” هو كربلاء ثانية، وليس غريبا أن يكون سلوك الظالمين هذا، فهم ورثة إبليس وأشقاء يزيد.
وحديثنا هنا عن الجوانب الإنسانية التي نأمل من وسائل الإعلام، المرئية والمسموعة والمقروءة، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن تتحدث بالصوت والصورة وتوثيق شهادات الشهود الذين عاصروا حياة واستشهاد الشهيد القائد سيدي حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، لتعريف الأجيال وتقريب صورة ما حصل من ظلم على السيد الشهيد وأصحابه الأوفياء الذين استشهدوا في رحابه كما عاشوا من قبل في رحابه، من خلال ما كان يغذي به أرواحهم من هدي القرآن الكريم وينير به عقولهم من الفكر والمنهج الصحيح الخالي من شوائب أفكار المخالفين للكتاب والعترة، والخالي من شوائب ثقافات المبطلين والمحرفين والمنحرفين عن صراط الله المستقيم، ويهدي به سلوكهم من رؤيتهم ومعايشتهم له ومعرفتهم به، فسلام الله على السيد حسين وأخيار هذا الجيل، شهداء الرعيل الأول في مسيرتنا القرآنية المباركة، الذين لهم قصص من البذل والتضحية والعطاء شاركوا بها الشهيد حسين بدر الدين الحوثي صدق سلوك بصدق سلوك، شاهدوا أحواله وعرفوا صدقه، فثبتوا معه، ولم تستطع وسائل إعلام المعتدين القتلة أن تروج أو تزعم أن أحدا من أصحابه انحرف إليهم أو كان عيناً لهم أو شك في قائده أو فرَّ، بل لقد شهد الأعداء بقوة حجته وقوة محجته وقوة شجاعته، شجاعة الكرم والبذل وشجاعة المواجهة والثبات، وبعمق ثقته بالله في جميع لحظات جهاده ومواجهته للمستكبرين عملاء الصهيونية.
ومن الجوانب الدينية أن شهيدنا السيد حسين رضوان الله عليه تحمل المسؤولية، فعندما قال: “لا عذر للجميع أمام الله”، قالها موقنا، وطبقها صادقا، واستشهد مخلصا، رضوان الله عليه، فالدين لله، وكونه لله يحتم على من دخل في رحاب الدين أن يستشعر ويعمل ويحقق في كل لحظات عمره وفي حاضره وخواطره وتصوره وسلوكه وواقعه قول ربنا جل شأنه: “قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين”. ووعي هذه الآية في حياة الفرد والأسرة والشعب والأمة كفيل بأن نشاهد زوال المستكبرين وأفول أفكار وثقافات المفسدين، ونشاهد سيادة وسعادة البشرية في العبودية لله وحده لا شريك له.
ومن الجوانب السياسية، سياسة غابت عن واقع جميع المنظومات السياسية في أغلب وأكثر الدول والفئات وحملة أفكار المعارضة السياسية وحتى تيارات الولاء للحاكم، حيث إن ثبات الشهيد القائد في عدم تقديم أي تنازل عن الشعار وعن تقديم هدي الله من خلال ما جاء في الملازم التي كان يلقيها بكل وضوح وبكل ثبات دون أي التواء في القول أو تنميق أو تفسير أو تأويل لأي مصطلح عن الحقيقة، بل هو القائل إننا في زمن كشف الحقائق، وأننا لم نأتِ بجديد، وأن كل ما نقوله هو من كتاب الله، فهدي الله يحتم علينا ألا نداهن ولا نجامل، بينما من طبقوا نظرية كتاب “الأمير” عقلية ماكيافيللي “الغاية تبرر الوسيلة” نجد أن لديهم سياسات التواء، وكن في زمانك حتى مثل “ما بدا بدينا عليه”، والبحث عن أنصاف الحلول؛ بينما الشهيد القائد على خط وخطى جده أمير المؤمنين سيدنا علي عليه السلام الأتم في أن السياسة من مشكاة أنوار القرآن الكريم، فلا قبول لأي نظرية أو فلسفة أو سلوك أو خطة تخالف القرآن الكريم، سياسة الهدي من القرآن، نفس وضوح وتميز فكر وعبادة وولاء خط القرآن الكريم، فلا مواربة في الموقف ولا تورية في الكلام ولا كلام مع الخاصة، وآخر يقال للناس وضوح بنور القرآن وثبات مهما كان التوقع لرد فعل المستكبرين.
ونأمل إقامة ندوات وتأليف كتب ورسائل ماجستير ودكتوراه في فكر الشهيد حسين بدر الدين الحوثي، أسس وقواعد فكره، منطلقات حركته، وسائل منهجه، حرب المصطلحات التي حذر منها، العقائد الفاسدة والثقافات المغلوطة التي بيّنها، ما هي؟ ومن أين جاءت؟ وخطرها ومصدرها وكيفية مواجهتها، وسعة أفق ووعي الشهيد حسين بدر الدين الحوثي لمعاني معرفة الله من خلال نعمه ووعده ووعيده، وأثر هذه المعرفة في سلوك الفرد وحياة المجتمع، وثمار هذه المعرفة الخالصة لله في حضور الثقة بالله في كل أحوال وحياة كل مؤمن ومؤمنة، وفهم الشهيد سيدي حسين لمصطلح ومعنى الثقافة القرآنية والأنس بالله في الرخاء والشدة، وحقيقة قول ونطق وفهم “لا إله إلا الله”، وكيفية تحمل المسؤولية كواقع معاش في مختلف الظروف، ونظرة الشهيد القائد للمستقبل... وغيرها من الأفكار التي إن طلب منا أن نقدمها لمراكز دراسات وأبحاث فأنا وغيري ممن هم أفضل مني في فهم ما جاء في الملازم من فكر حي نقي من هدي القرآن الكريم على استعداد لتقديم العديد من الأبحاث والدراسات والمشاركة في الندوات، فأنا أقترح هنا أن تكون فعاليات استشهاد السيد حسين بدر الدين الحوثي منظمة، ليس في ترتيب تاريخ إقامتها، بل أيضا في سعة وعمق تقديم فكر الشهيد حسين بدر الدين الحوثي للمجتمع وللعالم أجمع، وهذا العمل بالعودة إلى الملازم وقراءتها قراءة وعي، لما احتوت من كنوز في بيان معرفة القرآن الكريم، وفهم أساليب ولغة القرآن في بناء النفوس وإقامة الحجة وتنوير وإنارة حياة أولياء الله، ومعرفة جوانب رعاية الله لمن اهتدى بهديه... وغيرها من المواضيع التي وفقنا الله للإشارة إليها، والله حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على خير خلقه سيدنا محمد وآله. الحمد لله رب العالمين. سبحان الله وبحمده. سبحان الله العظيم.

أترك تعليقاً

التعليقات