محاريب وخنادق «الكلام»
 

محمد الباشق

حلقات يومية يكتبها القاضي محمد الباشق / لا ميديا -

أنطلق من موضوع الكلام لأهميته، ولأننا ـ بعونه تعالى ـ سيكون لدينا تناولات تعتمد على هذا الموضوع، الكلام بين تعريف أنه عبارة عن أصوات صادرة من الإنسان نطقا ظاهرا يعبر به عما يريد مما يختلج في نفسه، وبين تعريف آخر أنه لفظ مفيد يفيد السامع، وتعريف ثالث أن الكلام هو القدرة على إيصال ما في النفس إلى النفس أو المخاطب، والكلام قد يكون مع النفس وقد يكون مع الآخرين.
وقد يعبر عن الكلام بلفظ قول أو نطق أو نبأ أو خبر، وتتعدد صيغ القول، أما وصف الطريقة فهي إما طريقته من المتكلم بحسب نوع الصوت، خافت أو مرتفع أو مبحوح أو خشن أو لطيف. أو من حيث نوع اللغة الصادر بها الكلام، عربي أو إنجليزي أو غيرهما، أو كلام ملفوظ أو مكتوب، فالقلم أحد اللسانين أو كلام مسطر بالنظر إلى الوسائل المرافقه للكلام أو الموصلة للكلام أو طريقة المتكلم من رضا أو غضب أو جد أو هزل أو صدق أو دون ذلك أو بالنظر إلى أثره على نفسيه المتكلم أو المخاطب أو السامع.
والحديث عن الكلام أو النطق أو الكتابة أو الإشارة أو الصمت أو السكوت موضوع كبير جداً، والكلام البشري نعمة الله وعطاؤه وفضله وحجته على جنس الإنسان (بني آدم)، وإمداد الإنسان من خالقه سبحانه وتعالى على البيان نطقا بوضوح الصوت والبيان بحسن صياغة وترتيب الكلام ببلاغة وإيجاز والبيان بحكمة النطق والتوفيق للكلام المناسب في الوقت المناسب مع الشخص المناسب، كلها من نعم الله على الناس، والكلام نطقا أو كتابة أو إشارة أو تسطير أو تدوين أو تسجيل بالصوت والصورة أو بأحدهما أهميته وأثره لا يخفى.
دخول الإنسان للملة وانتسابه للدين بقول كلام له أهميته وهو النطق بالشهادتين "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله لا نبي بعده ولا رسول صلوات الله عليه وآله وسلم"، ولأن هذا القول يكون بحب ومعرفة ومشاهدة لدلائل وبراهين وبيانات وآيات وحجج وبشارات ونذر أن الله ربنا وحده لا شريك له، وأنه جعل منهجا لهدايتنا برسل نؤمن بهم جميعا، وجعل للرسل شرائع ومنهاجا، وشريعتنا وكتابنا القرآن خاتمة الشرائع على نبينا رسول الله الخاتم، لذا الوصف بالشهادتين جلي أنه لا تقليد لأحد في معرفة الله ومعرفة رسوله ومعرفة المعاد والإيمان بالبعث والنشور واليوم الآخر والقيامة والجنة والنار وأصول الدين وتحمل المسؤولية والقيام لله في حركة أو سكون، أمور تتطلب حضور قلب ويقين عقل ووعي وإرادة حرة واستمرار على نهج العبودية لله تعالى.
الشهيد حسين بدر الدين الحوثي (سلام الله عليه) ألهمه الله التوفيق وأمده بالحكمة فاهتم بمعرفة الله وشرحها بلغة سهلة سلسة قائمة على استخراج البراهين والأدلة والبصائر من كتاب الله وصحيح سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومنهج قرناء الكتاب، ويكفي هنا أن أذكر أن الشهيد القائد أكد على أهمية نطق وقول كلمة لا إله إلا الله، يقينا بها وأثرها في إزهاق الباطل، وأن التأمل فيها حال المؤمن، وأنها حصانة لمن عاش في رحابها بحب لله وتعيظم له وتلفظ بها ونطق من سويداء القلوب وحياة الضمير وحنايا النفوس، ففيها لمن صفا كل يقين وسكينة ورضا وسعادة وعز وتمكين، كما أن كلام من عاش حاملا لمسؤوليته في الحياة حتما ليس ككلام الغافل أو المسجون في إطار ذاته أو شوؤن خاصة فقط يضيق بها وتضيق به وآيات الله لنا وفينا في نعمة الكلام وحجته لنا أو علينا في كل الأمور.
الالتزامات والعهود والمواثيق والملك والتمليك والبيع والشراء والأخذ والعطاء والعرض والطلب والنكاح والزواج والطلاق والفسخ والإقرار والإنكار والقسمة والنكول والإيمان وتحمل وصف موقف أو حدث والشعر والنثر والخطابة والأسرار والإعلان والترجمة والنسخ، كل هذه الأحوال وغيرها مما لا حصر لها من أحوال البشر عبر العصور كلها تتم وتحصل بالكلام نطقا أو كتابة أو إشارة.
وكما أن للكلام الأثر الشرعي والأثر القانوني والأثر في الدنيا والأثر في الآخرة، يقول تعالى: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"، فإن له أيضاً الأثر النفسي، وتأملوا في آية "ضرب الله مثلا كلمة طيبة"، وآية "وضرب الله مثلا كلمة خبيثة"، وأوصاف القول في القرآن بليغا، حسنا، لينا، كريما، معروفا، ميسورا، وغيره من الأوصاف تؤكد حقيقة قرآنية جميع الشواهد والوقائع والعلوم والأحداث تؤكدها، وهي أننا نبني حاضرنا ومستقبلنا بما نتكلم به، وإمامنا الصادق جعفر بن محمد عليهم السلام يقول: "كل ما تكرهه لا تنطق به".

أترك تعليقاً

التعليقات