إسماعيل علي

بدأت المشاورات بين طرفي الصراع في اليمن (السعودية وأنصار الله)، بتكوين اللجان العسكرية، وتبادل الأسرى، وما إلى ذلك من مشاورات في كل الملفات على أرضية ظهران الجنوب المهتزة..! في ظل شعور سعودي بخطورة استمرار الوضع على ما هو عليه من تعقيدات. 
فالسعودية تدرك أهمية تلك اللقاءات وثمارها المترتبة على تلك الخطوة الاستراتيجية، وفي نفس الوقت تعرف بدقة حساسية المرحلة المقبلة ومخاطرها، وما سيؤول إليه الوضع على مستوى النظام وأذرعه..، وتزامناً مع التغيير الذي طرأ على السياسة الخارجية للمملكة، والتغيير الذي سيطرأ على طبيعة النظام ونوعيته لاحقاً؛ لابد من تغيير يطال الأذرع والحلفاء الكلاسيكيين، وطبيعة العلاقة التي هي في حالة النشوء من جديد.. هل ستكون علاقة فوقية بين أعلى وأدنى، كما كان سائداً في ما مضى.. أم ستكون علاقة نفعية.. أم علاقة متزنة؛ أي تقاسم المصلحة والمضرة على حدٍّ سواء..؟
 فقد كانت العلاقات_ التي بناها نظام الأسرة السعودي طيلة خمسة عقود_ مع الأذرع الخارجية، والحركات الدينية، والأحزاب السياسية، مبنية على أُسس دينية طائفية في المستويين (الفوقي والنفعي)؛ وبنفس الرتبة (التابع)، مما ساهم عكسياً في تشظي العلاقات الداخلية داخل شعوب ومجتمعات الدول الدائرة في نفس الفلك؛ فكانت النتيجة سلبية على الحياة العامة ونوعيتها؛ لكونها مبنية على الهدم لا البناء، الدونيّة لا النديّة، علاقة الهوان والذلة بالعيش على الفتات، والصدقات والهبات نستطيع أن نسميها: (علاقة عبودية).. سواء بقصد أو بدون قصد..!    
فالخياران الأول والثاني أراهما كارثيين مطلقاً؛ لعدة أسباب:
_ لم تعد مجدية؛ لوجود البديل على الساحة الإقليمية والدولية.                                                                    
_ ثمارها كارثية قد تطال ممولها وراعيها أكثر من هدفها الذي بنيت من أجله. 
_ المرحلة تعيش لحظة تغيُّر، فقد تطال كل مكون وكل تكتل وكل نظام وبعدة كيفيات حسب الغرض والبيئة الثورية؛ لأنها قد تكون ثورة ذات بعد ديني، أو ديني سياسي، أو اجتماعي، أو وجودي، وبالتالي ذلكما الخياران غير مجديين، وتلك السياسة لم تعد ناجعة، وليس لها ثمرة إيجابية.    
_ خطورة نوعية هذه العلاقة الشاذة على النظام والأنظمة الإنسانية ودساتيرها؛ فهذه السياسة لا تقل شأناً عن خطورة الصهيونية العالمية؛ باستهدافها الكيان الإنساني بشكل عام، لانظرتها من منظار تميُّز نوعي وتميُّز فكري، وثقافي، وخَلقي.
................
إن طبيعة العلاقة سيحدد نوعها الطرف الثاني فيها، وهل ستكون فوقية بحيث يكون الطرف الأول الذي هو أعلى الأصل الثابت؛ بينما الطرف الثاني الذي هو أدنى يكون بمثابة التابع في كل الأحوال، وعلى جميع الاتجاهات وبنفس الدرجة، وعلى نفس السمفونية المتبعة، أم ستكون علاقة متزنة؟ هذا كله حسب مستوى الوعي، والنضج، والإدراك: السياسي، والفكري، والاجتماعي لدى حركة (أنصار الله).. 
حركة (أنصار الله) اليوم غير حركة (أنصار الله) بالأمس، في كل الأبعاد؛ فقد أصبحت قوة ناشئة جديدة تحمل الكثير من مكامن الطاقة، والمرونة.
ليست نتاج الصدفة ولا الظرف، إنها نتاج فكر متجذر عبر عصور من الزمن بكيفية معينة وشكل محدد..
لها موروث ثقافي، حضاري، إنساني، سياسي، وفكري غني بالرجال والقامات والأعلام والأئمة، وإن لم يكن بالشكل الموجود اليوم؛ فروح العدالة والتجديد هو غذاء ووقود هذا النوع من الحركات عبر كل محطة من محطات التاريخي الثوري الإنساني في اليمن.
كما أنَّ لديها من النضج السياسي ما يؤهلها للاضطلاع بالدور المنقذ المسؤول في كل الميادين والساحات داخلياً وخارجياً.. لها أيضاً فلسفة فكرية اجتماعية سياسية خاصة ومميزة عن نظيراتها من الحركات الإسلامية.
ونتيجة للبعد الديني الناضج الوسطي الذي يهيمن على أدبياتها السياسية والثقافية؛ قد يلعب الدور الرئيسي لمد جسور العلاقات المتزنة مع أغلب التيارات والشعوب والأنظمة في الأطر الشرعية، والمعاهدات والمواثيق الوضعية.. 
وما يجري اليوم مع النظام السعودي العدو التاريخي للحركة فكرياً وعقائدياً؛ دليل دامغ على نضجها الفكري ومرونة برنامجها السياسي.
فطبيعة المجتمع اليمني الذي يتشكل من عدة قوى، تفرض عليهم قناعة التشارك الإيجابي الفعّال، بدءاً من الثورة وانتهاءً بمؤسسات الدولة ونظامها؛ لأن حقيقة هذا التنوع هو بنفسه لا يسمح لأي كان أن يحكم اليمن الآن بمفرده. 
الحرب ستضع أوزارها حتماً، وعندما يحدث توافق سياسي يعني: أن الصراع لم يصل إلى الصراع الصفري على المستوى العسكري؛ بل هناك طرق أخرى توصل إلى بعض الأهداف، لتحقق بعض المكاسب الاستراتيجية. 
وهذا ما نخشاه من التقارب السعودي الأنصاري في بناء علاقة في المستويين (الفوقي والنفعي)؛ لأن هذه العلاقة تسيء للثورة وأهدافها وقيادتها وتضحيات أبطالها، كما أنه يسيء لصمود شعبٍ أذهل العالم بصموده وصبره وجلادته في أحلك الظروف، لا لشيءٍ، إلا لينعم بالعزة والكرامة والعيش الكريم بدون وصاية ولا منةٍ من أحد..
الأيام ستكشف إلى أين سيصل هذا التقارب؟ وما هي نتائجه ومكاسبه ومخاطره الآنية والاستراتيجية..؟

أترك تعليقاً

التعليقات