إسماعيل علي

سوطٌ مغطىً بريش نعامة، وفتاتٌ مُعلب في علبٍ بيضاء مُغلفةٍ بشعارات الإنقاذ من أجل الإنسانية..، وملايين البشر من المشردين والجائعين والمتضررين في معظم بلدان العالمين العربي والإسلامي، تُجلد إنسانيتهم بسوط المساعدات الناعم، ثمناً باهظاً للحصول على فتات المساعدات تحت عناوين شتى..
أصبحت الشعوب اليوم مرهونة للقمة عيشها؛ فهي بين خيارين: فإما أن تذبح بآلة الحديد والنار، وإما أن تموت كرامتها وتُذل وتهان على عتبات المنظمات غير الإنسانية... إنها نتيجة حتمية لدور المنظمات التي تدعي الإنسانية؛ فأينما حلت تلك المنظمات حل معها الموت واستدام الصراع وانتشرت النزاعات تحت عناوين مُتباينة، هذا من جهة، ومن جهةٍ أُخرى، تحاول بعض المنظمات أن تُسقط بعض ما يعانون في مجتمعاتهم الغربية على مجتمعاتنا، دون النظر إلى الاختلاف الواسع بين الثقافتين والبيئتين.. ليس تنكراً، وإنما حفاظاً على الذات والخصوصيات والموروثات القيمية..
إنَّ مجتمعاتنا لديها حاضنة مجتمعية وثقافية وأُسرية؛ فهي تنتمي إلى كيانات متماسكة، فالدين، والقبيلة، والعرف لها دور في بناء شخصية الفرد، ثم الأسرة، ثم المجتمع، مشكلةً هرماً ثابتاً على أُسس قيمية وأخلاقية تتسامى بالإنسان إلى روح الإنسانية..
بعدها تأتي المساعدات الإنسانية والقائمين عليها بلعب دور النقص في معيار القيمة المعنوية لحساب القيمة المادية (التي سميتها فُتاتاً)، مما سبب استغلال الفقر والتشرد والتهجير؛ لنزوات نفسية وأهواء وتوجهات تُخرج الإنسانية من طورها الطبيعي، وتحول الإنسان إلى حيوان يبحث عن لقمة عيشه، وإن كان على حساب المروءة وماء الوجه والكرامة، فقد جعلت من تلك الحالات الإنسانية حقلاً للاسترزاق وشراء الذمم والمواقف الوطنية والأخلاقية والعرفية والدينية أحياناً..
فمن مساوئها أيضاً فرز المجتمعات على أُسس دينية ومذهبية وعرقية وقبلية وطبقية وجهوية، ثم تساعد على تغذية هذه التفاوتات، وتوسيع الهوة في ما بينها، بحيث تسهل خلخلتها من الداخل، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى صراع بين مكونات المجتمع الواحد من تحويل التنوع إلى اختلاف ثم اقتتال؛ فتضمن بقاءها واستمرارها تحت عنوان الإنسانية، وما يجري في الساحتين العربية والإسلامية لخير شاهد على ما نقول.
نحن في أمس الحاجة اليوم إلى تفعيل دور الإعلام، وتوجيهه لتوعية الشعوب والمجتمعات، بحيث ننتشل ما تبقى منها من وحل وأرصفة ومخيمات تلك المنظمات، وألا تتحول إلى ضحية وفريسة سهلة لشركها؛ فهي التي تساهم في إنزال الإنسانية رتبة الحيوانية.. 
مسؤولية الجميع كبيرة ومتنوعة بحجم العدوان وبتنوع طرقه وأساليبه؛ فما تمارسه منظمات المجتمع المدني، والجمعيات الخيرية، ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات إنسانية، هي مثابة الظل لتجار الحروب وروادها ومشعليها؛ لأنها المستفيد الأول بعد الساسة المستكبرين.
معركة الوعي هي معركة متعددة الأوجه والزوايا، وهي مسؤولية المتدين والمفكر والكاتب والمرشد والصحفي، فقد لا تخلو كل تلك الأقلام من رسالة وهدف؛ لكنها بأمس الحاجة إلى التوجيه والترشيد حسب الأولية والأولوية.

أترك تعليقاً

التعليقات