الحرية على طريقة الشيطان الأكبر
 

إسماعيل علي

إذا كان قلمي يثير قلقك إلى حد مصادرته بقطع كل خطوط التواصل مع الآخر، فكيف بوجودي ككيان إنساني؟
فماذا تعني حرية التعبير في قاموسك اللغوي؟
إذا كانت صرختي من شدة الألم تعبيراً طبيعياً عما حل بي، توقظ عندك الشعور بالخوف؛ فتدق صفارة الإنذار المبكر في كل دوائرك العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالتحرك السريع لإسكاتي طوعاً أو كرهاً؛ فماذا تقصد بحقوق الإنسان في قاموسك الوضعي؟
إذا كان التعليم حقاً طبيعياً، وقانونياً، وشرعياً لكل إنسان، فلماذا تسعى جاهدًا إلى تجهيلي بتدمير مدرستي وتمزيق كتابي وتكسير أقلامي؟ ولماذا تحاصرني دوائرك التعليمية بحزمة قوانين هدفها الأول منعي من اللحاق بتلك العربة المزعوم تفردها بالريادة العلمية؟
إذا كانت الممرات المائية حقاً لكل إنسان على وجه المعمورة؛ فلماذا تحاصرني بمئات الأساطيل الحربية، والغواصات النووية، والزوارق النارية.. وتمنع عن أطفالي الحليب، والدواء، والحبوب، والغذاء؟
إذا أردت أن أنشد الحرية يومًا ما بالانعتاق من حكام الجور والاستبداد، وسلطة الظالمين الفاسدين؛ فلماذا تثور حفيظتك؛ وتنعتني بأبشع الأوصاف كالمرتد، والانقلابي، والإرهابي، والمتطرف، والمليشياوي؟ وعندما تسنح لك الفرصة تبادر باصطيادي مباشرة بعد تشويه مشروعي التحرري بماكنتك الإعلامية المضللة؟ ألم تنادِ بالديمقراطية والحرية عشرات السنين، وتقل: من حق الشعوب أن تحدد مصيرها في اختيار من يحكمها وفق النظام الديمقراطي؟
فلماذا تتبخر تلك العناوين عندما يريد شعب ما أن يجسدها بطريقته؟ وما الفرق بين الحرية والتبعية في قاموسك السياسي؟
وعندما أبحث عن قوة أخرى غير مادية لتحميني من صلفك وغطرستك وعنجهيتك الشيطانية، تسارع إلى نبز مقدساتي ووسمها بالأباطيل والخرافات والأساطير التي لا تخدم الإنسان والإنسانية، وإنما تكرس الجهل والتخلف وعدم التقدم؛ لأنك لا تريد إلا أن أنشد إليك مطأطئ الرأس، ولا أُصلي إلا إلى قبلتك، ولا أؤمن إلا بزبانيتك، ولا أُسبح إلا بحمدك؛ لأنك أنزلت نفسك منزلة المقدس الحقيقي، وحولت عباد الله لك خدماً، وأموالهم دولاً، ودين الله دغلاً، فلم ترض إلا بمنزلة الإله الذي تدعي عدمه لتصبح مكانه، وما كل هذا إلا لخلل تفتقده كل تشريعاتك ونظرياتك الوضعية، وغياب قانون العدالة الربانية التي يتجلى منها قانون العدالة الإنسانية التي تحمي الحقوق والحريات، والتي شُرّعت من أجل أن يضطلع الإنسان بمسؤوليته في الوجود وفق معايير قيمية أخلاقية تسمو به في سلم الكمال ليتكامل، بدلاً من أن يسقط في شرك منظومتك الوضعية البراقة بعناوين خادعة كلما تمسك الإنسان بها انحدر نحو الأسفل ليلتحق بالشهوانية الحيوانية.
كذلك عندما يتهافت الشباب لمجابهة ما فرضته من قوانين لمصادرة حريتهم ووجودهم، ونهب ثرواتهم، وإفساد أعرافهم، وأخلاقهم وقيمهم، للحد من صلفك والدفاع عن أوطانهم وأعراضهم ببسالة الأسود، تشكك في صوابية تصرفاتهم الطبيعية الفطرية؛ فتنعتهم بالجنون والمغامرين.. لأنك لم تتشبع بتلك الروح المعنوية التي تضحي لصالح القيمة والإنسانية.
نعم، هذه هي عقليتك وفهمك ونظريتك للحياة، وهذا هو سلوكك وتصرفاتك الرعناء التي تُفسد حياة ملايين من الناس في أكثر من بلد لغرض المصالح وبناء الشركات العملاقة، وبالتالي تقاتل بشراسة من أجل استمرار المصلحة وزيادة الدخل غير المشروع في كل القواميس والشرائع والأعراف.. بينما تلك هي سلوكهم وتصرفاتهم السوية التي تؤمن بها وتقاتل من أجل بقاء القيمة على حساب المادة.
وما كل هذا الذي يجري ويحدث من فعل وردة فعل هنا أو هناك، إلا دليل واضح على أنك الجاني، والمسؤول الأول وراء العبثية والخراب والموت، وبالبزة الأمريكية القاتمة السواد؛ لتصدق عليك المقولة الشهيرة (أمريكا الشيطان الأكبر).

أترك تعليقاً

التعليقات