حلف السقوط الاستراتيجي!
 

إسماعيل علي

بالذهاب إلى المجهول بادر النظامان السعودي والتركي بإنشاء حلف استراتيجي؛ لاحتواء الأحداث الجارية من المتوسط إلى الهندي؛ كطوق نجاة لكليهما؛ فبعد أن شعرا بصقيع قارس تسبّب بتساقط كل أوراق حديقتيهما الخلفيتين الاعتباريتين (اليمن وسوريا)، بدأ يتسرب إلى أطراف الأولى حمم سوداء يجتاح جنوبها، والثانية ثلوج بيضاء تغطي هضباتها الشرقية؛ مما سرّع بكبار قممهما السياسية بالتدثُّرِ بما تبقى لديهما من أوراقٍ...
لكن كيف يتمكنان من كبح جماح التغيير الذي بدت ملامحه تظهر بين فنيةٍ وأخرى مع كل طلعةٍ جويةٍ تستهدف الأرض والإنسان في اليمن، وطلعةٍ جويةٍ تستهدف داعش في حلب والرقة؟ قاطعة كل خطوط الإمداد ومصادر التمويل على تلك التنظيمات التكفيرية التي تتصف (بالإرهابية)، والتي تهدد شعوب العالم بأسره بانتهاك إنسانية الإنسان..؟!
نعم إنها لحظة تغيير قد تطال هذين النظامين الإقليميين، بعد أن شرخت رأس النظام العالمي صقور البيت الأبيض بين الجمهوريين والديمقراطيين، ببروز الصراع وخروجه من تحت السيطرة الى الرأي العام، مروراً بأقطاب النظام العالمي، وخوض روسيا الصراع بشكل مباشر بعد الانكفاء لفترة ليست بالقصيرة، معتمدين بخوض هذه التجربة الميتة استراتيجياً على قوة دفع أيديولوجية وقومية من موقعٍ رسميٍ غير المعتاد؛ الآن بات عليهما أن يخوضا الصراع رسمياً بهذين العنوانين اللذين هما عناوين خاصة تقودها جماعات متطرفة، وتنفخ في كيرها أجهزة مخابراتية، دون أن يشعروا أن من أهم عوامل سقوط (حلف السقوط الاستراتيجي) هاتين البؤرتين، (القومية والأيديولوجية).
فالصراع الدائر في المنطقة، وخاصة الصراع في (سوريا، العراق واليمن)، قائم على الإثنية (الأيديولوجية والقومية).. فمن أهم بؤر الصراع تلكما البؤرتان، بالإضافة إلى كل الإثنيات الأخريات، من ديني إلى قومي إلى جهوي إلى عرقي؛ ستظل هي وقود الصراع الدائم والمستمر بين الشرق والغرب من جهة، والشرق والشرق الأدنى والمتوسط من جهة أخرى.
لقد عاش وترعرع الإرهاب على أيدي جماعات متطرفة بتموين من قوى داخل النظام السعودي، وباحتضان فكري ومجتمعي، ليكون هو السوط الخفي لجلد الشعوب وهدمها ونخر عودها من الداخل؛ بنشر ثقافة الموت والتطرف والغلو من قبل المتدينين باسم الدين؛ مما حرف مسار الصراع من صراع عربي إسرائيلي إلى صراع عربي عربي إسلامي، تحت عناوين متباينة منها الدين والمقدسات..
إن الذهاب الى المجهول بالاعتماد على بذور الصراع هو بحد ذاته انتحار استراتيجي تندثر في منعطفاته مجموعة حضارات، وموروثات، وقيم؛ فتعتصر وتصب في مصلحة المستغل على حساب المقدسات والحقوق ومصالح الشعوب..
وبما أن سياسة تثوير الشعوب عبر الماكنة الإعلامية التي وظفت لاستغلال ما يسمى الربيع العربي، والالتفاف على ثورات الشباب، وتنصيب الأذرع الأيديولوجية والكلاسيكية بديلاً لها؛ قد خرجت من أطرها المرسومة وتجاوزت كل العناوين، وبدأت ملامح التغيير الجديد تظهر.. لكن ليس تثويراً من القاعدة، بل من قمة الهرم.
فالتسرُّع في تشكيل حلف يعتمد بالدرجة الأولى على أهم بؤر الصراع، دليل واضح على أن أحدهما ليس بأحسن حال من الآخر؛ بل على العكس كلاهما يشعران بالسقوط وإن على مراحل بشكل جماعي.
حتماً يدخلان مرحلة استحقاق أمام الأمر الواقع المتشبع ببذور التغيير؛ قد يكون استحقاقاً ثورياً مسيطراً عليه، وقد يكون غير ذلك، وهذا هو الأمر الذي يجهله الأغلبية، وهو: الأمر الغيبي.. الذي تكون أنت فيه بطل الحلقة الأخيرة من صناعة نهايتك بيدك ومحض إرادتك، وهي ما تسمى السنن الكونية والتاريخية.

أترك تعليقاً

التعليقات