إسماعيل علي

كانت ثورة يمنية، فأبيتم إلا أن تكون إقليمية، عبرت خطوتها الأولى على السجاد الأحمر من البوابة الشرقية للخليج العربي، فاتحةً نافذتها الأولى على بلاد ما وراء المتوسط إلى الأممية...
كانت ثورة شعبية يمنية يجني مكاسبها الشعب اليمني بالدرجة الأولى، فأبيتم إلا أن تعبر السجاد الأحمر إلى قصر اليمامة بنبوءة التغيير على يدي صقر البيت السعودي الناشئ...! كل هذا حصل بعد محاولة وأد الثورة في مهدها بآلة الحرب، خوفاً من وصولها ولو فكرةً إلى ذهنية الشعوب المحكومة بسياط الاستبداد والأسرية والتحجر والكهنوت.
 وبعد كل هذا وذاك، حصل ما حصل، ونحن نعيش لحظة العض على الأصابع بعد فشل كل المحاولات لبترها، ها نحن اليوم نعيش ونتراقص على سيمفونية الحوار لتهيئة الجو للعودة إلى القاعدة الثابتة التي ينشدها كل عقلٍ سوي؛ فهي صُلب إيماننا الذي يمليه علينا ديننا الحنيف وموروثاتنا النبيلة وأعرافنا القيمية وأخلاقنا الحميدة التي تجسدها الإنسانية في صورة السلام والتعايش بين مكونات الداخل وشعوب دول الجوار والمنطقة وفق منظومة علائقية تضبط نمط التواصل والتأصل والندية المتكافئة.
ليس صرخة من شدة الألم أن ننشُد السلام؛ بل لأنه الأصل الثابت عند كل عاقلٍ مدرك، إنما الطارئ هو الحرب والعدوان الذي لا أصل له ولا دين له سوى الغطرسة والعنجهية والتعدي والتسلط وحب الهوى والحقد بهدف الفوضى والنزول بالإنسانية رتبة الحيوانية ثم الشيطانية.
نعم، نحن ننشُد السلام، ولكن..! ليس لما يترتب عليه من منافع مادية كما يتصور ويفهم الكثير، وهي ما نسميها النفعية؛ بل ننشُده لكونه القيمة العقلية التي يترتب عليها المنفعة، وهي ما نسميها القيمية؛ فبين النفعية والقيمية بونٌ واسع يتجلى في صدق الذاهبين إلى السلام، في التمثّل لأحدهما.
تهيئة الأجواء المناسبة والدفع نحو نجاح الحوار مسؤولية الجميع؛ بقدر ما ندفع من جهد وقدرات نحو الحرب، بالقدر نفسه ندفع نحو العودة للحالة الطبيعية والدعوة للدخول في السلم كافة.
كما أن على الراعي للحوار أن يمثل دور الوسيط لا الطرف، وللأسف، وهذا الذي كان ينبغي أن يكون دوراً للأمم المتحدة، وندعو إلى إحيائه في جانبه العملاني بأنه يكون وسيطاً يشكل قوة ضغط على المتأبي... علينا أن نترفع عن التعاطي السلبي؛ لأنها مسؤوليتنا جميعاً، وأن نضغط بالاتجاه الإيجابي نحو التحول، فنحن بعد تجربة عام من الحرب، مسؤوليتنا تضخمت أكثر..
الكل مسؤول، وكل الأطراف مسؤولة... لكن المسؤولية بالدرجة الأولى على الثورة وقيادة الثورة، وبالأخص القيادات الشعبية؛ لأنها للناس أقرب، وولاء الناس لها متنامٍ بشكل ملحوظ، الذي يحب الناس كشعب صاحب حق، ويحبونه كقيادة مستجيبة لكرامة هذا الشعب، مستجيبة لموقعه الذي كان مهضوماً ومظلوماً.
وعليه، ندعو قيادة الثورة والقوى الوطنية على طاولة الحوار، إلى أن تركز وتدعم وتدفع نحو النقاط التالية:
 العودة إلى مخرجات الحوار الوطني؛ لأن مناطه الرضا بين الفرقاء المتحاورين تحت قبة الوطن للجميع؛ فواجبنا جميعاً تأصيل هذه العصم والمرجعيات؛ لأنها منبثقة من رضا الناس، ولا تتعارض مع قاطع شرعي.
السلم والشراكة: السلم دعوة باعتبار الحرب بلوى ومفروضة علينا نسعى دائماً بالدعوة للسلم والسلام، وبالتالي نعتبر الحرب استثناء. 
والشراكة أصل لا يمكن أن يحكم أحداً يمن اليوم بالرؤية التاريخية أو حتى بالشكل التاريخي، وبالتالي كائناً من كنت لا ولن تستطيع أن تحكم هذا الشعب بمفردك، وهذه حقيقة لا غبار عليها. 
مسؤوليتنا كبيرة بحجم تاريخنا وحضارتنا وقيمنا ووطننا؛ فلنسعَ جادين بكل الوسائل لتحقيق أمننا واستقرارنا وعيشنا الكريم؛ كما أن علينا أن نحول كل المذاهب إلى تنوع ثري لا يفسد للود قضية.

أترك تعليقاً

التعليقات