جن جنون البقر
 

إسماعيل علي

اشتدت وتيرة العدوان السعودي على اليمن بعد مرور 72 ساعة من فشل المشاورات في الكويت، ففي أقل من 24 ساعة شن طيران العدوان أكثر من 260 غارة جوية امتدت من صعدة إلى تعز، وتعتبر هذه الغارات هي الأعنف والأشد ضراوة وكثافة من بداية العدوان وحتى اليوم، قصف عشوائي، وبشكل هستيري طال منشآت مدنية وخدمية.. يأتي هذا التصعيد الهستيري ليفسر حقيقة الوضع النفسي الذي يعاني منه النظام السعودي، والهدف الذي يسعى العدوان لتحقيقه من خلال استهداف المدن والأسواق العامة، والذي من المتوقع أن تزداد وتيرته خلال هذا الأسبوع، ليسجل جرائم جديدة بحق الشعب اليمني.
فهذا التصعيد يأتي لسببين: السبب الأول جبهة الجنوب، حيث يسعى العدوان الى إلحاق أكبر قدر من التدمير والقتل انتقاماً لما يلقونه في حدودهم على يد أبناء القوات المسلحة اليمنية واللجان الشعبية، من عمليات عسكرية أفقدتهم التوازن والقدرة على الرد والمواجهة في جبهات القتال مع الرجال بالميدان، وأصبح توغل الجيش اليمني في جنوب السعودية يمثل كابوساً أقض مضجع النظام السعودي، كون النظام السعودي يعلم أنه عندما يتوغل الجيش اليمني الى مسافة معينة سوف يلتحم مع عدة جبهات رافضة للنظام السعودي، مثل جبهة تحرير عسير و الحركة الإسماعيلية وقبائل الجنوب التي تعاني من الظلم والتهميش بسبب أصولهم اليمنية الرافضة للاندماج القسري، والنظام السعودي يعلم أنه عندما يلتحم الجيش اليمني مع بقية الجبهات، سوف تشكل جبهة عريضة تمتد من البحر غرباً إلى الصحراء شرقاً، يكون من المستحيل مجابهتها، وهذا يفسر التهجير القسري للمواطنين من منازلهم بالقوة في نجران وجيزان وعسير. 
فكان رد الجبان غارات جوية تقتل نساء وأطفالاً في منازلهم، وتدمر ما تبقى من المؤسسات المدنية والخدمية التي نجت من عدوانهم خلال الـ503 أيام الفائتة من العدوان.. التصعيد يعتبر تهديداً بإحراق المدن إذا استمر الجيش في التوغل جنوب السعودية، وهذا التصعيد لن يوقف الزحف نحو تحرير التراب الوطني الواقع تحت سيطرة الاستعمار السعودي منذ 80 سنة. 
السبب الثاني إعاقة المجلس الرئاسي؛ إذ عمد العدوان على اليمن من بدايته، عبر وسائل إعلامه، إلى تقديم اليمن للرأي العالمي على أنها دولة فاقدة للشرعية، تحكمها ميليشيات في الداخل لا تمثل أي كيان شرعي أو دستوري، وأن الحكومة الشرعية التي تحتضنها هي من تدير اليمن من الخارج، وفي نفس الوقت تعمل على تشكيل ودعم كيانات سياسية مستقلة في عدة محافظات، لا تعترف بهوية الوطن الواحد، والهدف من هذا المشروع إقناع العالم بأن اليمن قد أصبح صومالاً جديداً تتقاسم جغرافيته ميليشيات متناحرة.. وبنفس الوقت تشكل حكومات وتعين وزراء من عندها مهمتهم الأساسية إعاقة ومنع أية تسوية سياسية بين اليمنيين، وقد كان ذلك واضحاً من مؤتمر جنيف الى مشاورات الكويت. 
وقبل أن يتحول المشروع السعودي إلى واقع معترف به دولياً، كان لا بد من سد الفراغ الدستوري في البلاد، الذي يلعب العدوان على أوتاره، فكان لزاماً على كافة القوى السياسية تحمل مسؤوليتها التاريخية والوطنية لسد ذلك الفراغ، وخاصة بعد وصول مشاورات الكويت إلى طريق مسدود. . ومن هنا جاء الاتفاق على تشكيل مجلس رئاسي أعلى يمثل اليمن في الداخل والخارج، وفق الدستور اليمني النافذ..
وفور إعلان الاتفاق على تشكيل المجلس وتحديد مهامه خلال الفترة المقبلة، فقد العدوان وتر الشرعية الذي كان يعزف عليه، وأدرك أن تشكيل المجلس السياسي والاعتراف به كممثل للشعب اليمني، قد بعثر كل الأوراق، وأسقط كل الرهانات، ووجه ضربة قاصمة لمخططهم الرامي الى تمزيق اليمن، وفقد هويته التاريخية والوطنية والتحكم به لعقود طويلة من الزمن.
مخطط أنفقت الكثير من الأموال وقدمت الكثير من التنازلات للغرب من أجل الوصول إليه، تبخر فجأة وفي غمضة عين. 
ومن أجل إرباك المشهد السياسي، وإعاقة استكمال الإجراءات الدستورية، عمد العدوان إلى تكثيف العمليات العسكرية من خلال قصف المدن وتدميرها بشكل جنوني. هذا الجنون يأتي ضمن سياسة العدوان الرامية الى منع تشكيل أي كيان سياسي يواجه العدوان، ويمثل الشعب اليمني في الداخل والخارج، ويحفظ له هويته وكيانه المستقل.

أترك تعليقاً

التعليقات