توازن الرعب
 

محمد الوهباني

بادئ ذي بدء، كان دم هابيل هو فاتحة لصراع إنساني طويل عاشه هذا الكائن منذ فجر التاريخ، وتعيشه الأجيال كإرث بشري مقيت، وما التاريخ إلا انتصارات وانكسارات ومحطات مليئة بالأفراح والأتراح وحروب دامية تحت مسميات ومعتقدات ومصالح مختلفة ومتنوعة حد الأطماع البشرية وأهواء الإنسان وقدرته على خلق المبررات لأفعاله الدامية. ويبقى السلام مجرد واحة صغيرة في صحراء من دم وحرب في سجل التاريخ.
في كل حضارة تاريخ مليء بالدمار والدماء، وكل حضارة قامت على أنقاض حضارة أخرى، وأسست بنيانها على مداميك من جثث وأجساد تناثرت وأشلاء مزقتها آلة الحرب وأطماع المتحاربين.
وحده السلام لحن إنساني جميل في سيمفونية بشرية تعزف الصراع شريعة حياة (السلام ليس عملية أخلاقية، إنه توازن بين قوى وقوى.. رمز تعبيري) على حد تعبير المفكر العربي والصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، وهو يقرأ مشهداً في صراع دامٍ وظرف يجبر طرفي الصراع على إطفاء لهيب الوهم بالانتصار العسكري واللجوء في لحظة ما الى سلام وحوار.
إنه ليس سوى التوازن في القوة، وهو ما يطلق عليه البعض توازن الرعب، وهو السد المنيع الذي حال دون وقوع حرب عالمية ثالثة على المستوى العالمي، وكذلك هو المانع لحدوث اجتياح إسرائيل لدولة عربية كلبنان، مع فارق التسليح والإمكانات، استطاع حزب عربي كحزب الله خلق توازن ما بتحالفه مع سوريا في المنطقة أو بالشرق الأوسط، ويلجأ راسمو الخرائط جاهدين إلى القضاء على هذا التوازن بتحريك أدوار الصغار التابعين لهم في المنطقة، لتغيير خارطة الشرق الأوسط، في فوضى لن تكون خلاقة إلا لمشروع غربي فشل الأقزام في المنطقة وهم يلعبون دور كومبارس في مسرحية كتب سيناريوهاتها قلم أمريكي.. هذا الفشل هو ما جعلهم يذهبون الى جنيف سوري، بعد أن تغيرت الصورة في الداخل السوري. وتتشابه المشاهد، وإن اختلفت الأماكن؛ المشهد اليمني ليس ببعيد عن نظرة هيكل الصائبة للسلام، ولم يأتِ هذا التوازن في القوى المتصارعة في الداخل، بل ومضافاً إليه تحالف أكثر من 10 دول بإمكانيات مادية هائلة وثقل سياسي، مقابل بلد لا ثقل ولا إمكانات مادية سوى إنسان قادر على قهر المستحيل، وصناعة ليس توازن وحسب، بل تفوق على الآخر، وعلى كل ما يملك من إمكانات ودعم لوجستي من دول عظمى.. هذا التوازن، بل العجز هو الذي أجبرهم على تقبل فكرة السلام، بعد عام من فشل عسكري لتغيير خارطة وطن لصالح مشروع دولي واهم بإعادة تشكيل المنطقة مع ما يتماهى مع مصالحه.

أترك تعليقاً

التعليقات