قاب قوسين من النصر
 

محمد الوهباني

محمد الوهباني / لا ميديا -
اختارها التاريخ شاهداً لأحداثه وكبريائه، وكونتها الجغرافيا كأيقونة، وجعلتها السماء معراجاً للحب، وأقصى للنور.
فلسطين قضيتنا، والكرامة حدود معالمها، والدم تضاريس تربتها الطاهرة، وتبقى الأسئلة حائرة وهي تبحث في أروقة الموقف الخطأ.
كيف للبعض آن يقف حياداً أمام الهجوم الغربي العسكري والفكري والاقتصادي على قضية الأمّة، أو حتی الصمت أمام مواطن عربي مسلم اقتُلع من أرضه وبيته وسُفك دمه منذ زمن بعيد؟! كيف يأخذ البعض موقف حياد من قضية كهذه، بل يرى في الفلسطيني هو المعتدي، بينما «الإسرائيلي» الآتي من خارج الأرض هو الضحية؟!
ما هي المبررات التي يصوغونها لإقناع وجدانهم وضمائرهم بذلك؟! ولعل تلك الأدمغة جرى لها غسيل، أو أن كثرة الانتكاسات العربية في تاريخ الصراع خلق لديها قناعة باستحالة الانتصار، فاختارت الطريق السهل واعتادوا أن يكونوا جزءاً من منظومة الاستسلام الرخيص، أو أن الأجهزة الإعلامية للأنظمة المنبطحة أخذت مجراها في تفكيرهم، أياً كانت الأسباب التي جعلت مثل هؤلاء يغادرون عروبتهم للوقوف في معسكر الخضوع ومع المعتدي ضد إخوتهم!
يقف الحرف عاجزاً عن فك طلاسم حججهم ومبرراتهم الواهية والمأزومة والمهزومة، فهذه نفسيات فقدت عروبتها ودينها وإنسانيتها في قضية لا تحتمل الوقوف خارج وجدان الأمّة، ولا تحتمل أنصاف الموقف التي قد تكون قابلة للهضم في القضايا اليومية الصغيرة، لا بقضية أمّة وعرض وأرض وكرامة وعزة، وشعب له لغتنا وعقيدتنا وتاريخنا!
كيف يقف البعض في منطقة اللاموقف وهو يرى طفلة فقدت الأب والأم، وأماً عادت لترى طفلتها المريضة، وطبيباً وممرضة، قد تم محوهم جميعاً من الوجود في مستشفى تحاصره البارجات وحاملات الطائرات المنتقمة من صلابة موقف الفلسطيني الرافض للنزوح من بلده، ونساء يعانقن الصمود بأرقى وسائل الاستبسال، ويدفعن بفلذات أكبادهن لمقاومة كل هذا القبح، وترتسم ابتسامة أخيرة على شفاههن وهن يغادرن الحياة تحت الأنقاض كتعبير واضح عن معرفتهن أن أبناءهن قاب قوس أو أدنى من النصر، وأن دماء أطفالهن هي قرابين حرية ومداميك لعزة الأمّة وسيادتها.
وبعيداً عن مواقف المثليين من الغربيين، فإن ما يفطر القلب هو أن ترى من ينطق العربية ويقف على الحياد من المقاومة ومعركتها وحقها بتحرير أرضها، متكئة على عدالة قضيتها، وخلق إمكانياتها من المستحيل، ومن محور يعيد تشكيل الخارطة على ضوء خيارات الأمّة ليسطر بالدم كرامتها، ويشكل الغد كما شكلته المقاومة اللبنانية في الجنوب، وتشكله الآن المقاومة الفلسطينية في أقصى الروح.

أترك تعليقاً

التعليقات