أكتوبر الأمس واليوم
 

محمد الوهباني

محمد الوهباني / لا ميديا -
مرت سنوات من الحلم الذي غادر طموحنا الجمعي ذات اتفاقية استسلام نتيجة لفشل في استثمار انتصار عسكري في سبعينيات القرن الماضي في تشرين الأول/ أكتوبر 1974 قضت على فرحته انهزامية المنتصر، الذي عمل كل ما يستطيع ليصنع نصرا، ولم يعمل على تحصين نفسيته من الانهزام رغم انتصاره العسكري، حيث بدت واضحة نكسة 1967 في تفكير أنور السادات، الذي ساد لديه تصور أنه لا يمكن الانتصار على قوة تدعمها أمريكا وبريطانيا.
ويبدو الفرق واضحاً بين القيادة التاريخية لمصر، المتمثلة بسلفه جمال عبدالناصر، الذي كان لديه الإيمان والقدرة على الانتصار، ورحل قبل أن يحققه وذهب أكتوبر بانتصاره، وأنور السادات بانهزاميته نحو الكيان الصهيوني، وبدأت سنوات من انكسار الحلم.
كانت «كامب ديفيد» بداية عقود تراخي الحلم وعهد القيادات السياسية التابعة لمشروع غربي رأس حربته الكيان الصهيوني في «الشرق الأوسط»، وعملت القيادات السياسية العربية، وماكينة إعلامها على تكريس الانهزامية في نفوسنا، وخلق تصورات استحالة الانتصار على القوات المحتلة لفلسطين، وأن علينا التعايش مع هذه الحقائق، إلى حد أن هذا صار مسلمة لديهم لا يمكن نقضها!
ساد رأي واحد في الشاشات والصحف والكتب، وبدأت أصوات مغايرة للصوت السائد، لعل أبرزها عمليات حزب الله في 83، وانتفاضة الحجارة في 87، ويصاب الحلم العربي بانتكاسة، فقد أخطأ العراق الهدف بدلاً من الصدام مع الكيان الصهيوني خاض حرب الثماني سنوات ضد إيران لتطويق ثورتها، خشية انتشارها في «الشرق الأوسط»، الذي سادت فيه الانهزامية.
ومن النتائج العكسية لحرب الثماني سنوات غزو العراق للكويت عام 1990 تكريسا لمقولة «من اتفقوا على الضلالة ماتوا أعداء»، وكان ذلك مبرراً أمريكياً لاحتلال العراق، ويسود مرة أخری الصوت المنهزم، وظن الكثير أن المشروع التحرري وامتلاك القرار السيادي قد ذهب إلى غير رجعة، ونسي الكثير حقائق التاريخ وسنن الحياة، أن النقيض يولد نقيضه، فمن ساعات الليل الأشد ظلاماً ينبثق الفجر ليأتي 2006 ويعيد تزيين عناقيد الحلم النضيد، وتشكيل قناعات مغايرة، وأكثر وضوحاً وإمكانية وصمود في وجه الانهزامية.
2006 هو عام فارق بين الممكن والكائن، هو الإثبات الواضح والبرهان الذي أثبت أن القوة ليست في الذخيرة وترسانة الأسلحة، بل في الإرادة الصلبة والشجاعة باتخاذ القرار، والإخلاص بالعمل، وحسن استغلال الممكن لصناعة ما يجب أن يكون. وقد أدرك البعض الفارق الذي أحدثته 2006، كحرب عسكرية ونفسية، وأن ما بعدها لن يشابه ما قبلها. ومرت السنوات وصولاً إلى أكتوبر 2023، فكان الفشل الواسع على مختلف المستويات، فشلاً مخابراتياً غربياً صهيونياً، وفشلاً عسكرياً واضحاً، وارتباكاً غربياً، وتعرياً فاضحاً للقيم المتوحشة في هيئة أناس تغنوا كثيراً بإنسانيتهم كمشروع، وحريتهم كأيديولوجية، وسقطت كل الأقنعة، ومعها سقط الكثير من الأنظمة العربية التي أوجدها المشروع الغربي الأمريكي لخدمته.
هذا السقوط صار مثار سخرية واضحة من الشعوب التي اصطفت وراء الصوت المقاوم للاستكبار، إيماناً بالقدرة على الصمود، وإيماناً بساحات تعمل بتناسق جميل وهي تعزف أوركسترا الانتصار ليعيد أكتوبر للإرادة قدرتها، وللحلم نضارته، وأثبت أن الانهزامية لا تتواجد إلا في نفوس القليل ممن صاغ وجدانهم الغرب ليكونوا مجرد أسفلت ذليل يسعى عليه، وأن صوت الانتصار هو صوت الشعوب المقاومة، والإرادات الجبارة، والحلم الجميل والطموح والممكن والكائن وما سيكون.

أترك تعليقاً

التعليقات