مفترق طرق
 

محمد الوهباني

محمد الوهباني / لا ميديا -
القادة العرب الذين فقدوا بوصلة الاتجاه نحو القدس.. واللاشيء ينحت مومياوات صورهم علی جدران الواقع ليعلن موتهم الجماعي ويحفر أخاديد وجع، وينشد الألم لحنا جنائزيا مهيبا مع انطفاء نبضات قلب هنا أو هناك وهدم منزل ومستشفی ومدرسة، وإعلان الطائرات تتويج الاأبرياء، والأطفال، والنساء بهالات الدم المسفوح، ووهج الشهادة، ونورها المضيء علی أرض غزة؛ ليعيد أبطال المقاومة للأمة بعض كرامتها المسفوحة تآمرا وتطبيعا، واستسلاما رخيصا.
ببطولة رجال المقاومة وصمودهم الأسطوري ومآسي الأبرياء تغادر الإنسانية أدمغة الحكام العرب، وهم ضمن المعسكر الغربي فيقررون ذبح إنسانيتهم علی مداميك المستشفيات والمدارس في غزة، حيث تنتحر القيم الغربية المتناقضة وتفتضح أمام شعوبها التي تغلي قهراً وكمداً وهي تری كل قيم الغاب التي كان يظن البعض أنها غادرت البربرية كسلوك والتوحش كمنهج حياة.
واضح أن هناك مسافةً واسعة بين القيادات والشعوب، وأن القمة لم تعد تتكئ علی قاعدتها، بل تستمد قوتها من ماكينة إعلامية وجيوش وأساطيل وأن الديمقراطية التي يتشدق به الغرب كذبة كبيرة بحجم الطفولة المستباحة في غزة، وأن العروبة مجرد شعار فضفاض عند عتبات الانبطاح والتطبيع، ومجرد بيانات شجب وتنديد لا تسمن ولا تحمي أحدا.
يعيش هذا العالم في الألفية الثالثة بشريعة الغاب وقوانين الدم والصاروخ والدبابة، وحده الفلسطيني مع كل الشعوب الحرة التي خرجت في كل عواصم العالم بأعداد هائلة، لعل تلك الحشود تعيد للإنسانية بريقها المطمور بالدم وغبار الدمار وتراب المباني المدمرة علی رؤوس ساكنيها.
يحاول العالم عبور مفترق طرق قاس إما أن تنتصر قيم الإنسان وتستطيع الشعوب بمظاهراتها واحتجاجاتها أن تعيد للإنسانية بريقها وإما أن تكرس الأنظمة الغربية شريعة الغاب، وبين هذا وذاك يحبس العالم أنفاسه، بينما قادة الأنظمة العربية عاجزون عن تغيير المشهد، لأنهم لا يملكون الجرأة علی مخالفة أسيادهم في «البيت الأسود» الآتي بكل أساطيله وبوارجه لتكون شاهدة علی نحر القيم الإنسانية من الوريد إلى الوريد.
وبين هذا وذاك يقف الإنسان العربي مذهولاً من الصمود الفلسطيني ومكلوماً من أنظمة نزفت دمها في منعطفات التطبيع وصارت مجرد أدوات في مشروع غربي ينتهج المثلية (سياسياً واجتماعياً وعسكرياً) ويمارس مع قادة العرب العهر الوقح ويتلذذ بعريهم الفاضح بسادية مقيتة، وتبقی الشعوب هي الشاهد علی تلك العلاقة غير الشرعية بين أنظمة فقدت عذريتها في أحضان القبعة الأمريكية حتی وإن لبست ثياب العفة المزركشة وادعت امتلاكها مشروعا عربيا إعلامياً نسمع جعجعته ولا نری طحينه.
كل القيادات القاتلة لإنسانية الإنسان دفنها التاريخ في أروقته الأكثر سوادا وبقيت الشعوب وحدها هي الأكثر إشراقاً في صفحاته، فالشعوب تخوض صراعها مع أنظمتها وتخنقها كلما امتدت واتسعت رقعتها.. بالتأكيد هي الآن تسعی أن تصنع نصرا إنسانيا زاهيا في وجه أنظمتها القاتلة لتسطر أنقى صفحات التاريخ.

أترك تعليقاً

التعليقات