السموم.. موت بالتقسيط
 

محمد الوهباني

محمد الوهباني / لا ميديا -
تذهب أرواح من نحب بحوادث مرورية أو أمراض مستعصية، وآخرين بقذائف عدوان، لا فرق بين هذا وذاك، حيث تعددت الأسباب والموت واحد، فيغادرون دنيانا معلنين انضمامهم للملأ الأعلی تاركين خلفهم فراغا لا يستطيع أحد أن يملأه، وحزنا عميقا، وذكريات حفرتها الأيام في تلافيف الذاكرة.
في الآونة الأخيرة، وتحديدا في العقدين الأخيرين، صار السبب الأكثر لفراق من نحب من جيراننا وأهلنا هو المرض الأكثر فتكاً، إنه القاتل رقم واحد الذي لا يستخدم الرصاص أو البارود، هو الأوسع انتشاراً، والأعنف أسلوباً، والأكثر ضحايا علی حين صمت، وكأن ألسنتنا ابتلعها الحزن وأخرسها الخوف، وصرنا ننتظر الدور لموتٍ آتٍ وكارثة تأتينا بالتقسيط، كوجه آخر لعدوان سافر على هذا الشعب الصابر حد الوفاء والإخلاص، والأخرس حد الانتحار بمواد مسرطنة وسموم قاتلة ومحرمة دولياً، وتواطؤ رسمي مع أنواع لم تعد مقبولة في كل بلدان العالم، ولكنها تدخل علينا بطرق رسمية أو غير رسمية، في عدوان أكثر شراسة، وبمباركة رسمية بالصمت عنه ممن تقع على مسؤولياتهم حماية الناس وحياتهم، بتوفير ما يحتاجه هذا الشعب من منتجات زراعية سليمة وإشراف مهني علی كيفية الاستخدام بهدف الإنتاج السليم بما يكفي هذا البلد وتحرر قراره السيادي بتحرره اقتصادياً، بدلاً أن نأتي بالسرطان المميت عبر السموم المحرمة دولياً أحياناً، والمنتهية صلاحياتها غالباً، ليصير الموت وردياً مثل لون الفراولة، وأخضر بلون الخيار، وأحمر بلون الطماطم، وحامضاً بطعم البرتقال، متشابهاً وغير متشابه، ويموت الكثير وهو بحالة انتشاء، وهو يمضغ أوراق القات الأكثر استهلاكاً لتلك السموم التي تنتح سرطانات بكل أنواعها المتعددة.
صار السرطان ظاهرة منتشرة في كل قرية وحارة، بشكل مرعب، ويحتاج إلى بحث مستفيض من أولي الاختصاص لأسبابه، وتجفيف تلك الأسباب، لعل الدولة تلاقي وفاء هذا الشعب مع خياراتها ببعض مسؤولياتها، ليعيش مطمئناً على حياته.
ليست السموم المهربة وغير المهربة هي وحدها القاتل الوحيد، بل المواد الحافظة للمواد الغذائية، لا أحد يعلم نوعيتها وصلاحياتها وكميتها، وهل هناك رقابة أم أن وزارتنا المختصة قد تركت كل شيء لضمائر نخر الزمان منسأتها، ودلتنا السرطانات على موتها؟! أم أن تلك الوزرات هي المستفيدة وتتاجر بأرواح البشر؟!
إضافة إلى ذلك، هناك العلاجات المنتهية والمهربة والمخزنة بطريقة خاطئة، وهي تقطع الفيافي والقفار والصحارى، فتفقد ما ينفع الناس وتتحول إلى مواد تنتج السرطانات ويتعاطاها المواطن بنية التعافي فتعفيه تلك السموم أو المواد الحافظة أو العلاجات المهربة أو المنتهية الصلاحية من الحياة، يذهبون نتيجة تقصير ما، وتبقى ذكرياتهم القاسية مع الأمراض عالقة في أذهان أهاليهم المنتظرين الدور على قارعة حياة شعب لم يعد يحتمل المزيد من الضحايا والمزيد من اللامبالاة أو المتاجرة بالحياة، وبيع الأرواح في سوق نخاسة بثمن بخس، ويساقون إلى موتهم بالتقسيط المستمر واحدا تلو الآخر، بعد عناء قاسٍ ورحلة علاجية مكلفة، أو قد تكون هي الضربة القاضية في حلبة حياة قدت من صبر ومشقة وانتظار.

أترك تعليقاً

التعليقات