البأس الشديد
 

محمد الوهباني

محمد الوهباني / لا ميديا -
في السياسة والمعارك العسكرية لكل فعل حساباته المختلفة، ولكل قرار حيثياته ونتائجه، ووحدها القرارات الجريئة والقوية تصنع فارقاً في حياة الشعوب والأمم والدول والأفراد.
نعم، الدخول بعمل عسكري إلى جانب غزة قرار يمني له حيثياته وله نتائجه، وهو بالتأكيد قرار شجاع ومغاير للمألوف من القرارات العربية للدول التي فقدت عذريتها حين فقدت سيادتها ذات عصر انبطاحي، وخضوع ذليل.
اتخذ اليمني القرار بالوقوف إلى جانب الفلسطيني كسراً لقواعد الخضوع الرسمي العربي، وانتصارا لمظلومية الأرض المقدسة، مسرى النور ومعراج الروح، إيماناً بالنصر، وثقة ببأس اليمني الشديد.
والجميع يدرك أن الموقف اليمني خارج نطاق الأدوات التي لا تستطيع الدخول بصراع عسكري مع كيان الاحتلال، ومن خلفه دول الغرب، إدراكاً منها أن ذلك يترتب عليه الكثير من التبعات التي قد تصل إلى حد اقتلاع هذا النظام أو ذاك من كرسي الحكم، واستبدال نظام آخر به، بل إن مجرد نقاش قرار كهذا سيجعل المخابرات الغربية تسارع في وضع خطة ما لنقل ملكية السلطة من هذا العميل إلى ذاك. أتحدث عن الأدوات الأمريكية في المنطقة. إن هذا المنطق الذي روجت له الماكينة الإعلامية الغربية، ومراكز وقنوات تلفزيونية تابعة للأنظمة العربية، جعلت كل هذا الزبد المتخثر منذ عقود هو السائد؛ ولكنه ذهب جفاء، وبقي الموقف اليمني هو ما ينفع الفلسطيني والأمة في معركتها المصيرية مع قوى الاحتلال.
يتجلى البأس الشديد لصانع القرار السياسي باتخاذ القرار والاستمرار بتنفيذه والذهاب بالتنفيذ من مرحلة إلى أخرى، ورفض المغريات، والضرب عرض البحر بالتهويل والتخويف والتهديدات. كل هذا جعل صنعاء عاصمة للقلوب العربية العاشقة للسيادة، والمشتاقة لموقف وعمل يجعل للحياة كرامة بلذة الصمود، وعزة بحجم التعامل مع قوی عالمية بندية جعلت تلك القوی تظهر أكثر عجزاً من أي وقت عن فعل شيء.
هذا الموقف الذي لم يعتده المواطن العربي الباحث عن كرامة أمة بين ركام أنظمة وكروش وعروش سحقت وجودها تبعية، ومذلة وخضوعاً.
ملايين العرب تتابع الموقف اليمني وبأسه الشديد، وتلتف حوله، ليس استغراباً لحدث نادر، بل إيماناً بمظلومية الشعب الفلسطيني، وثقة بالبأس الشديد لليمني، الذي تثبت صفحات التاريخ أنه الأقدر على تغيير مجرى الأحداث. وما يجعل للموقف زهوه وعنفوانه هو أن يقف اليمن ليس في وجه الأدوات الصغيرة والقفازات النتنة، بل في وجه القوة العالمية التي صنعت كل هذه الأدوات الصغيرة المتكسرة على صفحات الماء في بحر هو أحمر في وجه ملاحة العدو الصهيوني والأمريكي والبريطاني.
يقف اليمني شامخاً يكاد يناطح برأسه السماء، في أنصع لحظات التاريخ، بالتفاف شعبي واسع من البحر إلى البحر، خلف قرار أحدث فارقا كبيرا بالمسافة والعمق، بين الكبار والأدوات الصغيرة، وبين السيادة للأوطان الحرة والاستسلام الرخيص لمشاريع الغرب. هذا الزخم الشعبي هو ما يثبت صوابية الموقف، كتعبير واضح عن طموحات شعب في قيادة أمة نحو الخلاص من أغلال المحتل، والتفكير العقيم للأدوات التابعة له، ومنطقها الذليل.

أترك تعليقاً

التعليقات