الضوء القادم
 

محمد الوهباني

محمد الوهباني / لا ميديا -
كل حرب هي حدث، وبعد انقضائها تتحول إلى موضوع تاريخي للنقاش والاستفادة من تفاصيلها، وكل شخص يقرؤها ضمن سياق اللحظة، مع ضغوطات الوضع، وتعقيدات المرحلة، وألم المخاض الذي يعانيه العالم، وهو يودع القطب الواحد، وتعدد السيناريوهات، وتداخل المشاريع المتناقضة، وتشعب الأحداث البينية بسبب اختلاف الرؤية والهدف.
ربما يتكئ البعض على هذه القناة أو تلك في صياغة أفكاره، عبر القراءات والتحليلات التي تقدمها والتسويق لهذا أو ذاك حسب الممول، الذي يرسم الخطوط العريضة لها. والبعض الآخر يرى في قضايا الأمة شيئاً مقدساً وليست مجالاً للنخاسة أو مزاداً وقحاً لبيع الأفكار.
ولعل الإنسان العربي منذ زمن بعيد يعاني من تناقض في الطرح الإعلامي للقنوات الفضائية. فالشارع لم يعد يتناقض فقط مع الساسة، بل ومع قنوات ونهج إعلامي تابع لمعسكر ما. وهذا الاصطفاف واضح لمشروعين متناقضين، أحدهما يلفظ آخر أنفاسه رغم أنه الأكثر مالاً وقدرة مادية ووقاحة إعلامية، وهو يحاول أن يجعل من الضحية هو الجلاد ويعكس مفاهيم كثيرة، ابتداء بمفهوم العدالة والحرية، وحتى مفاهيم النصر أو الهزيمة... هذا الاتجاه يتبناه الغرب المتناقض مع ذاته فيما يتعلق بالعدالة، وكيف يحاول جاهدا بكل إمكانياته أن يجلد الضحية، ويقتل القتيل مرات عديدة.
القضية الفلسطينية هي الأكثر وضوحاً بين ضحايا هذا النهج المتناقض مع كل قيم الإنسانية. وبهذا يثبتون توحش إنسان الألفية الثالثة، ومقدار البعد بين واقع البشرية علماً وتكنولوجيا من ناحية، وسلوكاً وقيماً متناقضة من ناحية أخرى. وهذا دليل إضافي على مقدار التوحش الذي يسكن نفوس أصحاب هذا الاتجاه، وقنواتهم التي تغزونا بكل ألوانها وأشكالها في محاولة لإقناع المشاهد بحيادها.
قناتا «العربية» و«الحدث» مثالان سيئان لهذا الإعلام الغربي، وإن كانتا بلسان عربي، فهما تحاولان تضخيم قدرة العدو والتقليل من قيمة عمليات المقاومة، التي اعترف بها الكيان الصهيوني، وتسعيان إلى قلب المفاهيم، فيصير الفلسطيني المحتلة أرضه في هاتين القناتين ومثيلاتها هو المتوحش والقاتل، بينما «الإسرائيلي» هو الحمل الوديع المعتدى عليه! إنه العهر الوقح حد طعن الأمة في خاصرتها!!
في المقابل هناك عالم متعدد الأقطاب يتخلق، وإعلام يرسم نهجاً جديداً قادراً على كشف الحقيقة ومقارعة القاتل، ويكافح في سبيل إيصال الصورة كاملة للمشاهد، وقراءة الأحداث من زاوية الحقيقة، وأبطاله هم وهج مضيء ورصاصات إعلامية في وجوه القتلة، وصفحات زاهية بالنضال بالكلمة والتحليل الجريء، والصورة التي تساوي ألف كلمة، ويدفعون ثمن ذلك أرواحهم في خضم التغطية التي يمنحونها لمشاهديهم.
إنهم تكملة المشهد المقاوم لغطرسة الغرب، والحقيقة الأوضح في وجه الكذب المدفوع ثمنه مسبقاً وبشاعة وانحطاط ثقافة البترودولار وسفالتها، الخبر الصادق والصورة الواضحة.
قناة «الميادين» مثالاً للإعلام المسؤول إنسانياً وقيمياً، إعلام مقاوم للقبح والكذب الأكثر غباء. الجميع يدرك صعوبة المخاض، فولادة عالم مختلف بقيم أكثر إشراقاً هو مخاض صعب ومؤلم؛ لكنه مخاض يستحق كل المعاناة والألم ليرى النور ويعيش العالم قيم الحرية لا المثلية، ويتغنى بالسلام وليس العنصرية. ولعل الموعد الفجر؛ أليس الفجر بقريب؟!

أترك تعليقاً

التعليقات