أوهن من بيت العنكبوت
 

محمد الوهباني

محمد الوهباني / لا ميديا -
لا تقاس العظمة بطول الجسم ووزنه للأشخاص، ولا بامتداد المساحة أو عدد السكان للبلدان. وحدها الأحداث الجسام التي يصنعها هذا البلد أو ذاك هي ما يعطيه وهج النصر وقدرة تغيير مجرى الأحداث. ويبقى السؤال: كيف استطاعت مدينة صغيرة رسم خارطة جيوسياسية مغايرة لما كانت عليه المنطقة وأفشلت مشاريع دولية ووقفت بوجه فوضاهم غير الخلاقة لتشكيل «شرق أوسط جديد» يتناسب مع أجندة الكاو بوي الأمريكي وأساطيله التي وقفت في عرض البحر عاجزة عن كسر معادلة رسمت معالمها غزة ومن ورائها قوى المقاومة.
إن تعافي العالم من القطب الواحد وتسارع الخطوات نحو عالم متعدد الأقطاب جعل الولايات المتحدة تخوض حربها مع قوى المقاومة في «الشرق الأوسط» بأيدٍ صهيونية، وهي تخشى الانتكاسة، لأنها تدرك تماماً أن انتكاساتها في هذه المنطقة الحيوية، موقعا وثروة، هو النفس الأخير في حشرجة احتضارها.
إن ملحمة «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كانت درساً قاسياً للولايات المتحدة، وكشفت عورة كيان الاحتلال الأوهن من بيت العنكبوت، مخابراتياً وعسكرياً واقتصادياً وإعلامياً وإنسانياً. فقد أدركت أمريكا أن ابنتها المدللة غير قابلة للصمود، وأن كسر قواعد الاشتباك مع المقاومة يعني كسر عمودها الفقري، لذا سارعت بقضها وقضيضها إلى المنطقة لتعلن الحرب على المقاومة.
كيان الاحتلال كان يدرك صلابة المقاومة، فقد اختبرها في حروبٍ عديدة؛ إلا أن تعقيدات الوضع الداخلي للكيان، والمتمثل بالصراع البيني ومعترك الصراع العالمي ووجع المخاض لعالم متعدد الأقطاب، وخوف الأمريكيين من الدور الروسي والصيني المتنامي والدور المحوري لإيران، أفقدهم التفكير السليم وانعدمت خياراتهم، فجعلهم يعيدون خيار الحرب، التي فشلت خلال خمسين يوماً في تحقيق أي اختراق سياسي أو عسكري أو اقتصادي، ما يجعلهم يصنعون انتصاراً وهمياً أمام لقطاء كيانهم.
أثبت الخيار العسكري للصهاينة فشله في إخراج ولو رهينة واحدة. كما أثبت في الوقت نفسه الانتصار الأخلاقي لقوى المقاومة الفلسطينية، بتعاملها الراقي مع الرهائن، وهو ما جعل قادة الكيان المحتل هم الإرهابيين في نظر الشعوب؛ كيف لا وهم يرون نظرات الإعجاب بعيون الرهائن الذين يغادرون وهم يلوّحون لأفراد المقاومة تلويحاً مقروناً بالابتسامات؟ فتحولت تلك المشاهد إلى رسالة معاكسة لما روجت له الماكنة الإعلامية الغربية، الأمر الذي أصاب الكيان والغرب بخيبة أمل وزاد الشرخ اتساعا وفقدوا صواب خياراتهم.
القضية صارت واضحة؛ إنها صراع بين قيم الحب والحقد، بين الإنسان الباحث عن كرامته والتوحش المقيت الفاقد إنسانيته، صراع الإرادات بين قطب يحاول جاهداً أن يثبت لحلفائه في المنطقة وفي العالم أنه قادر على حمايتهم، ومقاومة أثبتت للعالم هشاشة كيان الاحتلال، الذي رغم قسوته على الأبرياء إلا أنه «أوهن من بيت العنكبوت».
ربما أن ما لا يدركه الغرب المتغطرس هو أن الانتصار القادم سيغير خارطة المنطقة، وسيعيد التحالفات بما يتناسب مع عجز القطب الواحد عن الانتصار، وبما يتناسب أيضاً مع عالم متعدد الأقطاب.

أترك تعليقاً

التعليقات