أقرب إلى القدس
 

محمد الوهباني

محمد الوهباني / لا ميديا -
عقب نكسات ونكبات حروب العرب مع الكيان الصهيوني ساد لدى العرب، خاصة الأنظمة، اعتقاد جمعي مفاده أننا لا نملك القوة لمجابهة الكيان، وأن مستوانا اَقل من مستواهم، وأننا غير قادرين على الانتصار على عدو يملك القوة الخارقة والسلاح السحري والخطط المرعبةُ والقدرة الفائقة على سحقنا كأنظمة وقوى سياسية أو عسكرية!
هذا بالضبط ما روجت له الماكينة الإعلامية الغربية ومعها بعض وسائل الإعلام العربية التابعة للأنظمة الخانعة والخاضعة حد التخلي عن كل طموح أو حلم يبعث فيها ذرة نخوة وجزءاً بسيطاً من تقدير الذات، فجعل الكثير مدمناً على جلدِ الذات والشعور بالإحباط والانهزام.
وبدأ صوت مناقض ينتشل النفوس من الشعور بالانهزام مفاده أن صوت الانهزام فينا سببه عدم تقديرنا لذواتنا، وعدم استغلال قدراتنا البشرية والمادية. كان الصوت خافتاً؛ لكنه استطاع أن يحفر في نفوسِ الكثير إعادة تقدير الموقف والقدرة والإمكانيات، بدءا بأصوات مقاومة هنا وهناك وأفعال كلما زادت اختفى معها صوت الخضوع.
لعل تاريخ 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1973 كان البداية، وبعده ارتفع الصوت المقاوم لحزب الله بدءا من عام 1983، وانتفاضة الحجارة الفلسطينية في 1987، والتدرج في تأسيس حركات مقاومة وعمليات استطاعت أن تعيد الثقة للشارع العربي شيئاً فشيئاً، وتسطير خطوط عامة لاستراتيجية مغايرة للخضوع.
تلك الخطوة بزخمها الإعلامي والعسكري كانت حرب تموز 2006، التي مثلت علامة فارقة وخطوة تعافٍ للتفكير الجمعي لدى الكثير من الأفراد وحتى القوى السياسية التي بدأت تتعافى من الانهزامية، كانت الدقة في إصابة الأهداف المتزامنة مع خطاب إعلامي يواكب اللحظة ويرافق القذيفة ويعيد الثقة ويزرع فينا الأمل ويحوله إلى حلم ثم إلى واقع... كل ذلك تلقيناه من السيد حسن نصر الله، نبرات صوته التي كانت ترتفع أكثر مع احتراق بوارج العدو في عرض البحر وارتفاع أصوات القذائف المؤلمة للمحتل.
كانت حرب تموز هي الدرس الأول والفرحة الأوسع للنفوس المشتاقة للانتصار والباحثة عن ثقة تمنحها القدرة على الحلم، فقد تسمرت أعيننا أمام الشاشات وآذاننا أمام خطابات صادقة منحتنا الثقة وولدت الهزيمة النفسية لدى العدو قبل الهزيمة العسكرية. كان الدرس واضحاً ومفيداً حد التعافي وأعاد تشكيل خارطة الثقة والقدرة لدينا، وعبَّد الطريق أمام دروس 7 تشرين الأول/ أكتوبر التي سطرها الأبطال الفلسطينيون الغزاويون، وهي الدروس التي زعزعت إيمان المحتل بقدراته وفقدانها، حتى وهو ينزل أطناناً من المتفجرات على غزة وساكنيها، إلا أن الانهزامية وفقدان الثقة كانت هي عنوان قصف العدو الهستيري للمنازل والمدارس والمستشفيات وقتل الآلاف من الأطفال والنساء.
إن مقاومة المحتل الصهيوني لم تعد مجرد خيار، بل ضرورة حياة، وهو ما أكدته المواقف المشرفة والبطولية لساحات المقاومة الموحدة من لبنان إلى العراق وصولا إلى اليمن، فقد غادرت نفوسنا الانهزامية، وصرنا أقرب إلى القدس.

أترك تعليقاً

التعليقات