رمضان النصر
 

محمد الوهباني

محمد الوهباني / لا ميديا -
تكتسب الأيام فضائلها من أحداث صنعت معالم حضورها في صفحات التاريخ وتبقى شاهدا على روح الشعوب، وأحلامها، وإنجازاتها. هي الأيام والشهور الفضيلة كحوار جميل وعطاء كبير للبشرية في حالات استثنائية لانتصارات القيم النبيلة وانتصار الحب على البغض جعلت من بعض الأيام تساوي مئات الأيام، بل إن السماء بالمقياس الدقيق جعلت ليلة تساوي ألف شهر، وبالتأكيد أن الشهر الذي يحتوي على هذه الليلة له قيمة أسمى بأحداثه الجسام ابتداء ببداية خلق البشرية ممثلة بأبينا آدم وصولا إلى نزول «كتالوج» السماء للسعادة البشرية، وارتقاء الأمة الأكثر خيرية من كل الأمم التي أُخرجت للناس.
رمضان هو فاتحة الرسالة، وشغف السماء لمعانقة الأرض ذات ليلة أنزل فيها القرآن، وهو المعركة الأولى التي على وقع انتصارها أسس رسول المحبة دولة الإسلام. هو انتصار القيم وإعلان الجهاد، وبداية مشوار الكرامة التي انطلقت من عين بدر لتسطر معالم أمة سادت العالم ذات نور بقوانين السماء، وبجهاد المؤمنين، وقيم المحبة.
يظن البعض أن رمضان شهر للراحة والأكل ومشاهدة المسلسلات، والبحث وراء جوائز البرامج المسابقاتية، وقضاء لياليه باللهو واللعب؛ إلا أن أحداث التاريخ والهمم العالية تقول عكس ذلك، حيث سجلت هذه الأمة أول انتصاراتها المفصلية ضد طواغيت الأرض، وإعلاناً لمبادئ السماء، وعنواناً للجهاد المقدس للبشرية، وبداية الانتصار الذي اكتسح قوى الاستكبار حينها.
ما أشبه الليلة بالبارحة! فمعالم الشهر الفضيل، والأحداث الجارية، جعلت الصورة أكثر وضوحا، وأفرزت البشرية إلى فريقين لا وجود بينهما لمنطقة رمادية في صراع دامٍ ومشتعل. فريق يقف مع الحق والحرية والكرامة والاستقلال والوضوح والتحرر والعدل، وفريق آخر في وحل الظلم والقهر والاستعباد والاستعمار والاحتلال والاستكبار. يرتقي الفريق الأول ويمتلك قرار المواجهة، وإمكانية الانتصار بإرادة من فولاذ في وجه ترسانة أسلحة صارت مثار سخرية، وقوة بأس شديد لشعب الجبارين الذين أوقفوا الاحتلال في فلسطين على رجل واحدة ومن ورائه كل دول الاستكبار. وقف الفلسطيني شامخاً ومن أمامه بأس اليمني كسهم من عصور الانتصارات يستقر في قلب الاستكبار العالمي، ويوقف كل أشكال الاستفراد ويعلن أن البحر أحمر وأن غزة جزء من أرض مقدسة ملاحمها قدره الجميل، وانتصارها هو ما يحدد أفقه ويعزف نشيده وأنه أحد معالم النصر وصانعيه.
بالمقابل فريق ينحاز للقاتل والمستعمر والمستكبر بترسانته وإعلامه وإمكانياته الضخمة التي لم تزده إلا خوفاً، تأكيداً لحقائق «لن يقاتلوكم إلا من وراء جدر»، بل فضحت الوقفين وراءها وصار اليقين أن البشر والإرادات الصلبة أهم من أي سلاح، وأن الإنسان من يصنع النصر وليس السلاح.
رمضان شهر الكفاح والنضال والتغيير والانتصارات، هو باكورة التحدي وعنوان المحبة ونقاء القلوب وإخلاص العمل، هو بشرى انتصار نرى ملامحه في مياه البحر الأحمر وفي جنوب القلب، وعراق التحدي، وشام الانتصارات. رمضان بشرى انتصار نراه في ملامح إنسان غزة وأطفالها ونسائها وشيوخها المتشبثين بالأرض، والقضية المدافعين عن كرامة أمة وعزتها، بشرى انتصار اليمني الذي يواجه كل الدول الغربية وجحافلها، معلنا نهاية الاستكبار، وفاضحاً بيوت العنكبوت الواهنة.

أترك تعليقاً

التعليقات