المقاومة فكرة انتصار
 

محمد الوهباني

محمد الوهباني / لا ميديا -
جميعنا لدينا أحلام، أفراداً وأحزاباً وقوى سياسية ودولاً. وحدهم الذين يمتلكون الإرادة هم من يصنعون غدهم، ويحولون أحلامهم وطموحاتهم إلى واقع. أما الذين لا يمتلكون الإرادة فتتحول أحلامهم إلى كوابيس مزعجة وخور وضعف. ومن يمتلك الإرادة ولا يمتلك الإمكانيات تتحول أحلامه إلى حسرات. ومن يملك الإمكانات ولا يملك الحلم ولا الإرادة هؤلاء هم العملاء المتساقطون في أحضان الأعداء، وأفكارهم وخياراتهم ضمن بدائل متناقضة كتيه في الرؤية، وخور وضعف نفسي في الإرادة.
في الجهة المقابلة تنعدم الخيارات في قضية وجود ومعركة أمة، حيث لا بديل عن السلاح لاسترداد الأرض وتحريرها، فلا توجد ثورة عبر التاريخ استعادت الأرض من المحتل دون استخدام السلاح، فقدمت الشعوب قوافل من الشهداء قرابين حرية منذ فجر التاريخ، وكانت الفكرة المقاومة للظلم حاضرة في كل منعطفاته لتصنع تغييراً جذرياً. دعك من أصحاب الخيار المستسلم والمنظرين لوجهة النظر الغربية، المتماهين مع آلة القتل الصهيونية، المتناغمين انبطاحاً مع قادة تربعوا على كراسي الحكم على حين غفلة من الشعوب وغفوة من التاريخ.
إن حقائق التاريخ وتفاصيل الأحداث شاهدة على أنه لا يوجد قوة عسكرية في الأرض تستطيع أن تقضي على فكرة مقاومة الظلم في نفوس البشر. الفكرة ستبقى بل وتغير شكلها بما يتناسب مع الواقع وتعيد تموضعها حسب الخارطة والإمكانات المتوفرة لتكتسب قدراتها، وعادة ما يحكم تطورها علاقة طردية بينها وبين الفعل الذي تقاومه، فهي تصنع قدراتها وقوتها بقدر ما تجابه من أخطار وتعيد تشكيل ذاتها بما يتناسب طردياً مع التحديات. نلمس ذلك في المقاومة الفلسطينية التي بدأت ذات انفجار بحجر وتحديداً بعد أن آمنت بعجز الأنظمة العربية عن فعل شيء كونها صارت مجرد كومبارس تلعب دوراً ضئيلاً ووقحاً أمام أحلام الشعوب، فتحول ذلك الحجر إلى مولوتوف وزجاجات حارقة وعصيان في وجه السلاح الاستيطاني.
لم تتوقف الفكرة، لأنه لا يمكن القضاء عليها، بل تبلورت الأفكار وتعاضدت الأفعال وتكاتفت العقول وتداخلت فصائل المقاومة حتى صارت جسدا واحدا وصارت معها القنبلة صاروخاً والكلاشنكوف طائرة مسيّرة والموقع العسكري نفقاً والأرض مسرحاً لإذلال المحتل، وتمكنت من فعل ما عجزت عنه جيوش ذات نكبة ونكسة، وحتى ذات انتصار، فلم يسقط مثل هذا العدد ولم يخسر الكيان المحتل عبر كل حروبه التي خاضها مثل خسارته كماً وكيفاً في غزة.
واضح أن الحرب طالت بسبب أن الكيان المحتل لن يستطيع الانتصار وعاجز عن أن يتقبل الهزيمة، وهذا أسوأ ما تواجهه أي قوة عسكرية بنت قدراتها على خرافة «الجيش الذي لا يُقهر»، وصدقت تلك الخرافة التي بدأت تتلاشى وتشيخ منذ 2006.
أثبتت الأحداث استحالة انتصار ذلك الجيش المقهور، واستحالة القضاء على المقاومة كسلاح وتنظيم وفكرة وسلاح، بل استطاعت المقاومة أن تحدث شرخاً نفسياً في إرادة قوات الكيان، حيث الخوف لديهم ثابت منذ الأزل: «لتجدنهم أحرص الناس على حياة»، و«لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جُدُر».

أترك تعليقاً

التعليقات