تاريخ «ملط»
 

كارلوس شهاب

كارلوس شهاب / لا ميديا -

شخصياً لا أحب السخرية من تاريخ أي كيان عربي، هذه القناعة متمسك بها منذ زمن، لكنها  تتلاشى عندي مع دويلة الإمارات، يعني لو استثنينا مقاومة قبيلة القواسم للاستعمار البريطاني فإن تاريخ الإمارات يصبح "ملط" بالتعبير المصري، يعني مثلاً أكبر حدث تأسيسي في تاريخ الإمارات هو "التوحيد"، والتوحيد هنا مفهوم مضلل في الحالة الإماراتية، حيث تأخذك المخيلة إلى حروب توحيد الصين أثناء سلالة تشين، أو مثلاً توحيد جنكيز خان للمغول، أو الاتحاد الأيبيري تحت سلالة الهابسبورغ، أو حتى حرب توحيد السعودية، إلا أنه في الحالة الإماراتية لم يحدث كل هذا، بل ما جرى أن بني نهيان كفرع من عشيرة بني ياس في "أبوظبي" جمعوا 6 عشائر أخرى (بني مكتوم من دبي، القواسم من الشارقة ورأس الخيمة، بني نعيم من عجمان، بني معلا من أم القيوين، والشرقيين من الفجيرة)، وطرحوا عليهم موضوع الوحدة ووافقوا ما عدا حاكم رأس الخيمة، ولاحقاً عاد عن رفضه بسبب ضغط عشيرته.
الشيخ زايد بن نهيان يصف مسار التوحيد الإماراتي بأنه كان شاقاً ومعضلاً سياسياً، وللصراحة فإن المشقة التي يقصدها الشيخ تمثلت بأسبوع من النقاش بين هؤلاء السبعة لا أكثر ولا أقل، ليست المشكلة في الشيخ زايد فطبيعي من وجهة نظره أن يرى ما أنجزه هو تكوين أمة، وبالتالي ترافقه صعوبات ومعضلات، لكن المشكلة تكمن لدى الباحث جوزيف كشيشيان الذي يقول إن الوحدة الإماراتية وُلدت أثناء ازدياد المؤامرات البريطانية والإيرانية والسعودية والكويتية لإفشالها.
ما قبل هذا الحدث التأسيسي تبدو أحداث الكيان الإماراتي هي هي أحداث أية عشيرة في ربوع الوطن العربي للمطلع العادي، لكن الكتّاب يحاولون إضفاء لمسة أسطورية عليها مما ينقلها من حقل الحياة اليومية إلى حقل السخرية، خذ مثلاً وصف وصول بن نهيان إلى أبوظبي فينقل أحد الكتاب أنهم بنوا أول مستعمرة في المدينة في وصف يُحيلك إلى بناء مستعمَرة "جيمس تاون"، أو آخر يصف لنا كيف عُرفت خصال القيادة في زايد بن نهيان، حيث يقول إن زايد كان دائم التواصل مع الشعوب الإماراتية، أو أن أخاه الشيخ شخبوط كان يرسله لمدينة العين، وكان يلتقي الشعب هناك، والشعب الذي يقصده الكاتب هو عشيرة بني ياس المتحدر منهم زايد، وأن مدينة العين ليست تخم إمبراطوري قصي، إنما هي مدينة تبعد مسافة ساعة ونصف بالسيارة عن مدينة أبوظبي. والكثير من هذه القصص اليومية التي يتم إضفاء شيء من الأسطورة عليها وتقديمها على أنها تاريخ عميق يؤسس لهذا الكيان الذي يحاكي اليوم ممارسات أمم أخرى، مثل سباق الفضاء أو مجالات الطاقة النووية أو افتتاح متاحف أوروبية متوسلاً أن يصبح مثلها.
ما ينطبق على هذا الكيان هو مقولة رسول حمزتوف: "لقد اشتريتُ قبعة لييف تولستوي، ولكن من أين لي أن أشتري رأسه؟".

*كاتب وباحث عراقي.

أترك تعليقاً

التعليقات