النفط العربي كسلاح في المواجهة
 

كارلوس شهاب

كارلوس شهاب -

أظن أن المرحوم عبد الله الطريقي هو الشخص الوحيد الذي طرح النفط العربي كسلاح في المواجهة مع الغرب وحوّل هذا الطرح من شعار سياسي إلى خطة اقتصادية مدعمة بالأرقام والإحصائيات.
يتحدث الطريقي عن قطع النفط بالأرقام: "إن قطع النفط عن الدول الغربية التي تساند إسرائيل معناه إنزال أضرار جسمية بهذه الدول. لو قررنا قطع النفط العربي عن بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا فقط على سبيل المثال، فسنجد أن الخسائر الفادحة التي تصيبها من جراء انقطاع النفط عنها يجبرها على التفكير ألف مرة قبل أن تغامر بعمل ضد العرب. وإنجلترا مثلاً، استوردت عام 1962 من النفط العربي معدل مليون و140 ألف برميل يومياً بكلفة البرميل الواحد 165 سنتاً. فإذا افترضنا جدلاً أن بإمكان بريطانيا الاستعاضة عن نفطنا بنفط أمريكا، فمعنى ذلك أنها ستدفع حوالي ثلاثة دولارات ثمناً للبرميل الواحد، بالإضافة إلى خسارة الخزينة البريطانية التي تتقاضى ثلاثة دولارات وعشرة سنتات ضريبة على كل برميل من نفط الشرق".
يتحدث الطريقي عن الخسائر الغربية أولاً: "إن طاقة المخازن الأوروبية للنفط لا تكفي دول أوروبا أكثر من شهرين، وزيادة هذه الطاقة تعني خسارة 7 ملايين دولار كل يوم. وأوروبا حالياً تدفع أربعة ملايين و600 ألف دولار يومياً ثمن مليونين ونصف مليون برميل نفط تستوردها يومياً. فما الذي سيحدث لو انقطع النفط العربي؟ لنقل جدلاً إن دول أوروبا وجدت من يبيعها نفطاً، رغم أن هذا شبه مستحيل، فإن هذه الدول ستدفع 7 ملايين ومائة ألف دولار يومياً قيمة الكمية التي كانت تستوردها من نفطنا، أي أنها ستخسر يومياً مليونين ونصف مليون دولار أخرى، بالإضافة إلى خسائرها التي تنتج عن توقف أرباح الشركات الغربية العاملة في بلادنا. وإذا ما علمنا أن أرباح هذه الشركات من نفطنا تقدر بألف وخمسمائة مليون دولار سنوياً، هذه غير ستة آلاف مليون تأخذها ضرائب وعائدات من نفطنا (...) بعد الستة أشهر، أي عندما تنفد احتياطات أوروبا، فإن أول ما ستفعله أنها ستبدأ بالبطاقة التموينية لاستعمال النفط، وستعمد كثير من المصانع لاستخدام الفحم كوقود بديل، وستتوقف الطائرات والسفن والقطارات عن السير، وسيصبح ملايين العمال عاطلين عن العمل".
ولكن ماذا عن خسائرنا نحن؟! يكتب الطريقي: "إن مركزنا من هذه النواحي متين جداً. ونحن قد نتعرض لبعض الخسائر نتيجة منع النفط عن الدول الغربية، ولكن شعوبنا لن تتأثر بهذه الخسائر لعدة أسباب: ستخسر الدول العربية المنتجة للنفط 40% من موازنتها العامة. فماذا تعني هذه الخسارة؟ لا شيء بالمرة، لأن المستوى الحالي لشعوبنا يجعل هذه الشعوب أكثر استعدادا للصبر على الشدائد. وباستطاعة الدول العربية أن تستغني عن الكماليات التي تشكل في بعض هذه الدول نسبة تفوق الـ40% التي ستضر بها جراء قطع النفط. بلادنا ليست صناعية، ومصانعنا القائمة الحالية لا تتأثر مطلقاً بقطع النفط، ولن تشهد بطالة تهدد أنظمة الحكم بالكوارث".
وللطريقي ترسانة ضخمة من المقالات والكتب حول سلاح النفط وكيفية إستخدامه كسلاح ذي حدين، أولاً لمواجهة الدول الغربية، وثانياً لبناء اقتصاد عربي منتج مشترك عماده الزراعة والتصنيع الثقيل. لكن ترسانة الطريقي في الواقع المقطع الأوصال وبين مشيخات النفط التي ربطت نفسها بالمستعمِر كان كـ"شروى السِّراج الذي في دار عُميان"، لا بل إن مشيخات النفط كافأت الطريقي بنفيه، لأنه صار "مزعجاً" بتعبير روبرت فيتاليس. لكن خطته لاستخدام النفط كسلاح بقيت يُلخصها مظفر النواب بأجمل وصف: "ليكن هذا النفط فدائياً أو ننسفه ونعيش على العزة والحطب".

* كاتب وباحث عراقي.

أترك تعليقاً

التعليقات