كارلوس شهاب

كارلوس شهاب / لا ميديا -

في محاضرته بعنوان "التكتيك الحسيني لتغيير أخلاقية الهزيمة" يتحدث الشهيد محمد باقر الصدر عن أن أول ما كافحه الحسين في ثورته هو أخلاقية الهزيمة التي كانت سائدة في ذلك الوقت، بالنسبة لأمة هُزمت فقدت إرادتها وفقدت شعورها بوجودها كأمة وشعورها بكرامتها، وبالتالي نشأت لديها هذه الأخلاقية، التي ترى في أي مواجهة للمنظومة السائدة تهوراً واستعجالاً جالباً للنقمة والنكال، أخلاقية تصبح أداة طيعة في يد صانعي هذه الهزيمة ممن يُريدون إبقاءها وإمرارها، أخلاقية تساهم في إنتاجها الأمة المهزومة نفسها حينما تشعر بأن عليها أن تنهي مقاومتها أو أن مقاومتها انتهت ولا طائل منها، فبالتالي تنتج مفاهيم غير مفاهيمها الأولى، وقيماً وأهدافاً ومُثلاً غير القيم والمثل والأهداف التي كانت تتبناها في الأول، لكي تبرر أخلاقياً ومنطقياً وفكرياً الموقف الذي تقفه.
ويستدل الشهيد الصدر على مشاهد هذه الأخلاقية بثمانية مواقف واجهها الحسين، أولها كان التخويف بالموت من عقلاء المسلمين وسادة الرأي أمثال محمد بن الحنفية وعبد الله بن جعفر الطيار وعبد الله بن العباس وعبيد الله بن عمر بن الخطاب، هؤلاء أحاطوه بأن الظروف ليست مواتية للمواجهة، وعندما قطعوا الأمل عن تثبيطه ذكروه بأن الموت مصيره، فمواجهة منظومة كاملة مواجهة محتومة المصير... وآخرها كان التناقض بين عمل الأمة وعواطفها. يقول الصدر إن أكبر تجلٍّ لأخلاقية الهزيمة هو أن من خذلوا الحسين واتخذوا الحياد، ومن واجهوا الحسين في جيش عمر بن سعد ومن قتلوه ومنعوا عن عياله الماء بمعظمهم كانت عواطفهم معه ولكن أعمالهم قررت معسكرهم في النهاية.
في مقابل كل هذا أسس الحسين أخلاقية الإرادة والتضحية في مسيرته الخالدة من الحجاز إلى كربلاء، والتي دلل عليها بشعاراته: "لا أرى الحياة مع الظالمين إلا برما"، "الموت أولى من ركوب العار"، "هيهات من الذلة"، وبفعله في الطف عندما بذل أبناءه وصحبه ثم نفسه في أعظم وقفة يعبر عنها النوّاب خير تعبير: "تستمطر الله قطرة ماءٍ تطيل وقوفك ضد يزيد"، ووضع بذلك أساسات لرفض بني أمية بدايةً من حركة التوابين، مروراً بحركة المختار الثقفي، وحركة عبد الله بن الزبير، وحركة مطرف بن المغيرة، وحركة عبدالرحمن بن الأشعث، وحركة زيد بن علي.
في تقريره على محاضرة الصدر يختم الحائري بأن الحسين لم يدفع دمه من أجل تبديل أخلاقية الهزيمة بأخلاقية الإرادة والتضحية في إطاره الزمني فحسب، إنما صار منارة لكل زمن، فأي حركة ترفض الهزيمة وتستبدلها بالتضحية والإرادة مهما التفت عليها ظروف التثبيط والخذلان فإنها استمرار لخط عاشوراء.
وإننا إذ نكمل مع الحائري فإن المقاومة اليوم هي استمرار لخط عاشوراء في زمننا والتزام برسالته، بمواجهتها منظومة الهيمنة الغربية كاملة وتجويف بعض ركائزها رغماً عن أنف "الواقعيين" و"العقلاء" المثبطين، ببثها أخلاقية الإرادة والصمود والتضحية في قلب هزيمة الأمة، بتعليمها للأجيال كيف يلطمون خد عدوهم قبل كل شيء آخر.

* كاتب وباحث عراقي.

أترك تعليقاً

التعليقات