عقيدة رامسفيلد العسكرية
 

كارلوس شهاب

كارلوس شهاب / كاتـب يساري لبناني-

في العام 2001 شن دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي، حملة شرسة على عدو غامض جعله بمثابة الاتحاد السوفييتي من ناحية الخطر أمام مسؤولي البنتاغون الذين يتولون الإشراف على العقود الدفاعية العملاقة مثل: شركة «هاليبرتون» و«دينكروب» و«بيكتل». كان العدو الذي قصده رامسفيلد هو «بيروقراطية البنتاغون»، وقد مهّد الطريق لحله وإعلان بدء خارطة الطريق التي تتمثل بإحلال القطاع الخاص مكانه، ومع حلول هجوم سبتمبر بدأت «عقيدة رامسفيلد» بالظهور، ففي مقال كتبه عام 2002 لـ«فورين أفريز»، قال: «علينا تسويق مقاربة أكثر مقاولة: مقاربة تشجع الناس على أن يكونوا فاعلين لا منفعلين، والتصرف بدرجة أقل كبيروقراطيين وأكثر كرأسماليين»، ومع بدء «الحرب الشاملة على الإرهاب» التي تُدار حسب «عقيدة رامسفيلد».
لم يكن الأمر قد بدأ مع رامسفيلد، فحليفه الوثيق ديك تشيني كان وزير الدفاع عام 1991، وقبل خروجه من المنصب عهد بدراسة للشركة التي سيصبح رئيسها «هاليبرتون». تشير الدراسة إلى ضرورة خصخصة سريعة للبيروقراطية العسكرية، وبين ليلة وضحاها أنشأت هاليبرتون ومثيلاتها من القطاع الخاص صناعة تلبي الاحتياجات العسكرية الأمريكية مع إمكانات كسب غير محدود، وكلما وسعت الإدارة الأمريكية رقعة حروبها النهبوية العدوانية، كان الأمر أفضل لهاليبرتون والشركات الأخرى. 
بدأ الأمر مع حروب البلقان وحرب كوسوفو عام 1999، إذ خصصت إدارة كلينتون عقوداً مميزة لشركة تشيني وغيره من المقاولين الخاصين، منهم شركة «Professional Resources Incorprated» التي تولت تدريب الجيش الكرواتي في حربه الانفصالية ضد يوغسلافيا، وكان هذا العقد بصمة بارزة في تغيير موازين القوى، وكان العقد علامة فارقة في بدء تطبيق ما عُرف لاحقاً بـ«عقيدة رامسفيلد»، حيث مع تولي إدارة بوش عام 2000 تكدس في البيت الأبيض مدراء شركات مدمجة جميعها من الصناعات العسكرية، مثل نائب وزير الدفاع من شركة «أيروسبيس كوربوريشن»، وزير الجيش توماس وايت من شركة «إنرون»، وزير البحرية غوردون إنغلند من شركة «جنرال داينمكس»، وزير سلاح الجو جيمس روش من شركة «نورثروب غرامان». وتجلى دخول القطاع الخاص الأمريكي في الحرب في العراق على أتم صورة، عام 2003، فبينما كانت دبابات العدو الأمريكي تجتاح المحافظات العراقية قُدر عدد المقاولين الخاصين (الذين لايزالون يعملون إلى اليوم في العراق تحت مسمى مدربين عسكريين) بـ100 ألف عنصر من كل الشركات بنسبة واحد إلى واحد مع جنود الاحتلال الأمريكي في الخدمة الفعلية.
من الشركات التي استخدمت الأرباح غير القابلة للحساب المتأتية من «الحرب على الإرهاب» كانت شركة «بلاك ووتر يو. إس. إيه» التي يقودها الملياردير إيريك برانس ممول الحملات الانتخابية لجورج بوش الابن، حيث أخذت هذه الشركة بالصعود الخاطف كالبرق من مخيم صغير من الجنود الخاصين في كارولينا الشمالية إلى الحرس الإمبراطوري لحرب بوش المقدسة على «الإرهاب»، إذ كونت الشركة في غضون بضع سنوات جيش احتياط مكوناً من 21 ألف عنصر، إضافة إلى أسطول طائرات مكون من 20 طائرة بينها مروحيات هجومية ومناطيد رصد، إضافة إلى أنها وسعت مركزها ليصبح 7 آلاف فدان كأكبر منشأة عسكرية خاصة، وانشأت مؤسسة «بلاك ووتر ويست» في كاليفورنيا و«بلاك ووتر نورث» في إلينوي، إضافة إلى مركز تدريب عملاق في الفيلبين.
كانت أول مهمة لـ"بلاك ووتر" في العراق هي حماية رجل الاحتلال الأمريكي الأول بول بريمر، وعندما تسلل هذا الأخير خارجاً من العراق بعد أن أرسى قواعد العملية السياسة الأمريكية فيه، أعطى «الأمر 17» الذي يعفى بموجبه المقاولون الخاصون من الملاحقات القانونية في العراق على جرائم القتل والتعذيب.
لم يكن أمر المقاولين الخاصين واضحاً للعيان، ولكن كمين الفلوجة عام 2004 الذي أطاح بـ4 مرتزقة من شركة بلاك ووتر الذين تم سحلهم في شوارع المدينة، وجه الإعلام نحو طبيعة هذه الشركة وعملها في العراق. ارتكبت بلاك ووتر جرائم عبر مرتزقتها السلفادوريين في النجف وكذلك في الفلوجة، لكنها لم تقف عند العراق.
هذه الشركة التي نمت من الحرب النهبوية لإدارة بوش أصبحت تتواجد في 9 بلدان، كان منها اليمن المنكوب بالحرب العدوانية الخليجية، حيث منذ العام 2015 وقع إيريك برانس عقوداً مع السعودية والإمارات بما يفوق المليار دولار بشأن جلب مرتزقة من كولومبيا وسلفادور وبنما وجنوب أفريقيا، للقتال في اليمن، والذين وصلت أعدادهم -حسب التقارير- لأكثر من ألف عنصر.
عن صفحة مجموعة العمل الوطني العربي - فيسبوك

أترك تعليقاً

التعليقات