التدخلات الأمريكية في إيران كسيحة
 

كارلوس شهاب

كارلوس شهاب -

كانت ثورة 1953 في إيران ثورة شبه متكاملة؛ فهي موجهة صوب الإنجليز وعميلهم الشاه، ولديها قيادة بوجهين. المدني الدكتور محمد مصدق والديني آية الله كاشاني، الذي يشابه الخميني بكل مراحل حياته حتى من ناحية النفي. فقد كان منفياً إلى بعلبك أيام حكم رضا بهلوي، وبلغت الأمور إلى أن الكاشاني قاد إحدى التظاهرات بنفسه مرتدياً الكفن. كان لهذه الثورة أيضاً قوة عسكرية متمثلة بمنظمة «فدائيان إسلام» والتي كانت تهدر دم كل من يثبت تعاونه مع الشاه والإنجليز، حيث أهدر نواب صفوي، قائد المنظمة، دم الجنرال رازماراه، رئيس الحكومة الإيرانية وقائد الجيش، وأرداه قتيلاً مفسحاً المجال للدكتور محمد مصدق الذي ترأس الحكومة واستكمل قرارات التأميم.
الثغرة الوحيدة في هذه الثورة كانت هي عدم التفاتها لأميركا، فاستطاعت الأخيرة اختراق الثورة بحجة الخطر الشيوعي، إذ برز إلى العالم أن الساحات الإيرانية يقودها حزب «تودّه»، بالرغم من قلة عددهم مقارنة بأنصار الكاشاني إلا أنهم أكثر تنظيماً، فتسللت الثورة المضادة إلى قلب الكاشاني عبر أموال هائلة لأبرز رجال الدين، وتُرك محمد مصدق يواجه مصيره؛ بينما عاد الشاه للحكم ليتحول من ناطور إنجليزي إلى شرطي أميركا في الخليج.
وعت القيادة الإيرانية في ثورة 1979 لخطأ 1953، أي خطأ الاختراق الأميركي؛ فأنشأت تنظيماً هرمياً متماسكاً بشدة بحيث لا تستطيع أي قوة خارجية اختراقه. كان هذا التنظيم مكوناً من 180 ألف رجل دين، ستة منهم يحملون لقب «آية الله» وواحد «آية الله العظمى»؛ مما جعله مختلفاً عن فوضى الكاشاني. كذلك لم يكن احتلال السفارة الأميركية خطوة ارتجالية، لقد رُسم لها أن تكون بمثابة إنذار لواشنطن بأن التاريخ لا يعيد نفسه. ومنذ العام 1979 إلى اليوم حفظ الإيرانيون هذا التقليد مما يجعل التدخلات الأميركية كسيحة تأتي فقط على هيئة نباح وزراء الخارجية مع كل حراك.
* كاتب وباحث عراقي

أترك تعليقاً

التعليقات