الوهابية السياسية وترويض العقول
 

د. أحمد المؤيد

كلنا يعرف أن فترة نشوء الوهابية في جزيرة العرب, كانت فترة تعاني فيها الإمبراطورية العثمانية من ضعف وانعدام سيطرة على أجزاء كثيرة من البلاد وقتها.. ما شكل بيئة مناسبة لنشوء حركة إسلامية متشددة, رأت بريطانيا فيها وفي فكرها الظلامي ضالتها المنشودة, وخصوصاً أن بريطانيا كانت في مرحلة الإجهاز على تلك الإمبراطورية التي كان بعض أرجائها يعيش فقراً وشتاتاً وتخلفاً، بينما تعيش بعض المناطق الأخرى منها نهضة علمية لا بأس بها، وشيوعاً للمذهب الصوفي، وهو ذلك المذهب غير المتشدد والذي نبتت في بيئته بعض الكتابات والصناعات، وكان هناك نتاج حضاري لا بأس به في تلك الفترة..
وجدت بريطانيا حينها في الفكر الوهابي الرجعي التخلفي ضالتها، فدعمته وهيأت له فرص التمدد، وكان ذلك في نهايات القرن التاسع عشر, ولكن سرعان ما أحبط ذلك التحالف على يد محمد علي باشا، وتم القضاء على الدولة السعودية الأولى.
ثم تكررت المحاولات لدعم هذا الفكر بالذات إلى أن نجح التحالف، وتم إنشاء الدولة السعودية الحالية بعد 4 سنوات من صدور وعد بلفور, فكانت تلك الفترة فترة ولادة الأخطبوط ذي الرأسين.. 
ولم تزل بريطانيا وأمريكا من بعدها, متحالفة مع ذلك الكيان الوهابي، لينتج عنه أول مليشيا مسلحة مطلع الثمانينيات، والمسماة تنظيم القاعدة, لقتال السوفييت حينها.. ووقتها كان غسيل الأدمغة في أوج قوته.. واستطاعت القوى الإمبريالية أن تثبت للعالم أن تزاوجها مع الفكر الوهابي الغني بأموال البترودولار, يعتبر قوة لا يستهان بها في العالم, ومن هنا بدا بوضوح أن هذا الفكر الذي يتنطع بالدين وطول اللحى والمساويك، لا تجده إلا حيث يريده الأمريكان حاضراً, تارة بالمال وتارة بالرجال.. يخدم أجندتها وهو يلوك مسواكه, ويفتك بأعدائها وهو يستغفر الله ويسبحه.. مسخراً بذلك فتاوى من مشائخ يمتلكون قوة الإقناع, وقوة الوجوه أيضاً.. 
فأصبح ذلك الفكر ناراً تلظى على كل أعداء أمريكا وإسرائيل كـ(أنصار الله وحزب الله وحماس وإيران وسوريا), وحاضراً لدعم أمريكا كلما نقص عليها المال أو زادت نسبة البطالة فيها، فكانت صفقة الـ460 ملياراً كأكبر صفقة في تاريخ الإنسانية, وأخيراً وليس آخراً.. دعاء إمام الحرم عبدالرحمن السديس بأن يسدد الله خطى ترامب وسلمان اللذين يقودان العالم إلى مرافئ السلام..!
لم يكن السديس ليطلق هذا الإفك والباطل لولا قناعته بما يقول.. فلم يتعلم يوماً أن الأمريكان أعداؤه، ولم يدر بخلده أن هؤلاء يفترض معاداتهم أصلاً, ومثله عشرات الآلاف بل الملايين.. يؤمنون بنفس الفكر، ويفكرون بنفس الطريقة.. وهم يعتقدون أنهم في خير العمل.. وأن هذا موقف يرضاه الله ورسوله.. بل إنهم يتعبدون الله بهكذا مواقف.. ومن هنا نستشعر خطر هذا الفكر على الإسلام كدين، وعلى شعوب المنطقة كدول وكيانات سياسية.. لأن التكفير والاستباحة لمن يخالف هذا الفكر هي طقس من طقوس التعبد الذي يبتغون به رضى ربهم.. لن تنال هذه الأمة حريتها طالما ظل هذا الطاغوت (الديني السياسي) المتمثل في دولة بني سعود، يتنفس الهواء.. 

أترك تعليقاً

التعليقات