د. أحمد المؤيد

أحمد المؤيد / لا ميديا -
‏في قلب الجزيرة العربية، وتحت نيران الحرب والحصار والتآمر، وُلد اليمن الجديد، بقيادته السياسية الثورية، كأحد أكثر النماذج إثارة للدهشة في تاريخ الصراعات والتحولات السياسية في المنطقة.
‏لم يكن امتلاك زمام المبادرة في الصراع الإقليمي والدولي حلماً طموحاً فحسب، بل أصبح واقعاً حاضراً صنعه شعب يمني أبيّ، وقيادة ثورية عرفت كيف تستثمر التحديات لصياغة مستقبل مغاير.
‏رغم أن العدوان الذي قادته دول نفطية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، استهدفت اليمن لعزل قراره السياسي وكسر إرادته الوطنية، وإعادته إلى بيت الطاعة الأمريكي، فإن سبع سنوات من العدوان كانت كافية لتحوّله من ضحية إلى فاعل إقليمي لا يُستهان به.
‏فبينما كانت الطائرات تُلقي حممها على المدن والقرى، كانت هناك معركة أخرى تُخاض في الكواليس، وهي معركة بناء جيش وطني قوي متماسك، وذي عقيدة قتالية وطنية خالصة.
لم تنتظر ‏القيادة الثورية اليمنية الدعم الدولي، ولم ترتهن لقرارات الخارج، بل شرعت في بناء مؤسسة عسكرية حديثة بروح مقاومة، تمكنت خلال سنوات قليلة من تحقيق توازن ردع ميداني واستراتيجي.
‏هذا الجيش، الذي خرج من رحم المعاناة، أصبح اليوم قادراً ليس فقط على حماية التراب الوطني، بل وعلى لعب دور إقليمي فاعل، يلبّي طموحات الأمة العربية في الحرية والاستقلال والتحرر من التبعية.
كانت ‏النقلة النوعية الأبرز في المشهد اليمني هي الاشتباك المباشر مع الوجود العسكري الأمريكي في البحر الأحمر. مواجهة لم يتخيلها الكثيرون؛ لكن اليمن خاضها بثقة المقاتل المؤمن بقضيته، حتى أجبر أمريكا على التراجع والانسحاب، وفي لحظة فارقة أسقط الهيبة المفترضة لأكبر قوة عسكرية في العالم.
‏هذا التحول لم يكن معزولاً عن السياق الأوسع، بل أتى كترجمة مباشرة لإرادة سياسية متحررة من الهيمنة، ترى في المقاومة أداة مشروعة لحماية السيادة وفرض المعادلات الجديدة.
‏ثم جاء قرار فرض الحصار البحري على «إسرائيل»، في ذروة عدوانها على غزة، ليكشف حجم التحول في موقع اليمن الإقليمي.
‏فالدولة التي كانت توصف يوماً بـ»المُنهكة» أصبحت تفرض واقعاً جديداً، وتشارك عملياً في معركة الأمة، ليس بالشعارات، بل بالقوة البحرية التي بات لها منطقة نفوذ في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، ولها فيها الكلمة العليا.
‏اليمن الجديد لم يعد تابعاً ولا معزولاً، بل أصبح رقماً صعباً في معادلة المنطقة، يفرض شروطه ويصوغ معادلته الخاصة، ويعيد الاعتبار لمفهوم الردع والسيادة، في زمن تخلت فيه الكثير من الأنظمة عن دورها التاريخي.
ختاماً: ‏اليوم، ونحن نشهد إعادة تشكيل خارطة النفوذ في الشرق الأوسط، يقف اليمن في موقع لم يكن له أن يحلم به قبل سنوات قليلة. بقيادته الثورية، وجيشه المؤمن، وشعبه الصامد، يكتب اليمن فصلاً جديداً في تاريخ المنطقة؛ فصلاً عنوانه الكرامة والسيادة والموقع الفاعل في معركة تحرير القرار العربي.
‏وفي عالم مضطرب تحكمه لغة القوة، أثبت اليمن الجديد أن الإرادة السياسية الحرة، إذا اقترنت بعقيدة شعبية راسخة، يمكنها أن تقلب موازين القوى وتعيد تشكيل التاريخ.

أترك تعليقاً

التعليقات