دماء الانتصار
 

د. أحمد المؤيد

أحمد المؤيد / لا ميديا -
لم يبتغِ مالاً ولا جاهاً‎ ‎ولا قصوراً ولا رفاهيةً ولا منتجعاتٍ ولا علاقاتٍ ‏مشبوهة... ترك حطام الدنيا وزخرفها‎ ‎ومغرياتها وطيباتها.‏
عاش مجاهداً صلباً هدفه العدل والحق. عينه على فلسطين والقدس. رفيقه ‏السلاح، ويؤنسه صوت الكفاح.‏
خاض الحروب والأهوال. حرر بلاده شبراً شبراً، من بيروت إلى شبعا. ‏عرضوا عليه المغريات والمال والصفقات. ساوموه وخوفوه وتوعدوه، واغتالوا ابنه ورفاق دربه واحداً بعد واحد، وهو ثابت كالجبل الأشم، عينه ‏على فلسطين والقدس.‏
مناصرة المظلوم منهجه. لا يعتدي حتى يُعتدى عليه. حكيم صبورٌ نافذ إلى ‏القلوب.‏
صنع تاريخاً بأكمله، تاريخاً تبلور فيه جيلٌ كامل، تربى على صوته ‏وكلماته وإيماءاته. كان لهم الأب الغائب الحاضر، يعشقونه حد الجنون، ‏يحنون إليه، يقلدون كلامه ونبرته.‏
انظروا إليهم في وسائل التواصل، حزينون، لكن أقوياء أثمر فيهم ما زرع ‏وثبت في عقولهم ما صنع، لم ينهاروا، يشجعون بعضهم، يصبّرون ‏نفوسهم، يلتقطون شعثهم وقلوبهم حرّى.‏
لقد أكمل الرابعة والستين، وآن له أن يرتاح، سلمكم الراية بعد أن ترك إرثاً ‏عظيماً من الأدب والمعنويات والأخلاق والسلاح والحكمة والمنطق.‏
نم قرير العين.‏
ماذا كنتم تنتظرون؟!‏ أن يموت على سريره كما يموت المتخمون على أرائكهم؟‎!‎
لقد نال الشهادة والسعادة، وستظل تذكره الأجيال جيلاً بعد جيل.‏
من يذكر الطغاة اليوم؟! لا أحد!‏
من يذكر الشهداء؟! العالم كله جيلاً بعد جيل.‏
لمثله تسقط 85 طن من القنابل في دقيقة واحدة على مكان واحد، ما كانت ‏لتسقط لأي حاكم عربي أبداً.‏
لمثله تُسخّر الجواسيس وأجهزة التنصت ويُشترى العملاء.‏
لمثله يفرح نتنياهو وعملاؤه من صهاينة العرب ويفتخرون بإسقاطه!‏
إنه من قومٍ الموتُ لهم عادة وكرامتهم من الله الشهادة.‏
لكن هناك نقطة مهمة علمها لنا التاريخ قديماً وحديثاً، وهي أن الانتصارات ‏الكبيرة لا تأتي إلَّا بعد التضحيات العظيمة.‏
الأمثلة في لبنان نفسه موجودة، وفي اليمن وفي أماكن كثيرة كانت دماء ‏الشهداء هي وقود الانتصار.‏

أترك تعليقاً

التعليقات