مفتاح النصر
 

طه أبكر

الشيخ طه أبكر / لا ميديا -
"إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" (الآية 160 من سورة آل عمران).
من أجل الحديث في هذا العنوان نذكر في أول المقال شيئاً من كلام الله سبحانه وتعالى: "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)" (من سورة الأنفال).
"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ" (الآية 65 من سورة الأنفال).
"قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا" (الآية 16 من سورة الفتح).
"وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا" (الآية 22 من سورة الفتح).
إن كلام الله سبحانه وتعالى بُنية واحدة يجب ضم بعضه إلى بعض لفهمه والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وقد ذكر الله في قوله: "وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ”، أن سبب غلبة المؤمنين على الذين كفروا أن هؤلاء قوم لا يفقهون، وذكر قبل ذلك عنهم أنهم شر الدواب الصم البكم الذين لا يعقلون.
وذكر في قوله: "سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ"، فإن من الأقوام قوم يجعلون المؤمنين أمام خيارين لا ثالث لهما، وذكر بعد ذلك أن الذين كفروا لو قاتلوا المؤمنين لولوا الأدبار، وذلك لما ذكرنا من العلة عند الآيتين السابقتين.
وتحليل هذا الكلام أن حركة الذين آمنوا حركة موافقة لمصلحة الناس في الجانب الدنيوي وفي الجانب الأخروي، فهذه واحدة تجعل الذين آمنوا أقوياء أشداء، وأما الذين كفروا فحركتهم إنما هي دائرة بين إرادة العلو في الأرض بغير حق وإرادة الفساد، ولذا فإن حركتهم مضرة مفسدة للناس في أمور دنياهم وآخرتهم، وهم بذلك ضعفاء جبناء.
ونحن اليوم في معركتنا مع نظام الاستغلال العالمي ألسنا نسعى إلى مصلحة الناس في أمور الدنيا والآخرة؟ فنحن بذلك قد ملكنا عامل القوة والبأس الشديد، وأما قوى الشر والاستكبار والهيمنة فهي تسعى إلى فساد حياة الناس نفسيا وواقعيا وهم بذلك فاقدون لعامل القوة والبأس.
فإذا كانت تلك هي الحقيقة عنا وعنهم فعلينا أن نسأل أنفسنا:
من هذا الذي يقف في صفهم مع أنه لا مصلحة له في الدنيا والآخرة معهم فكيف يقف معهم إلى درجة أن يقاتل ويضحي بنفسه؟!
وسنجد أنه لا يكون كذلك إلا إنسان مغرر مخدوع بشعارات دينية أو دنيوية وبثقافة تضليلية تصور له النافع ضارا والضار نافعا والمصلحة مفسدة والمفسدة مصلحة والعسل المصفى سما قاتلا والسم القاتل عسلا مصفى.
وبذلك فإن المعركة الحقيقية بيننا وبين الأدوات هي معركة ميدانها الميدان الثقافي، ميدانها الميدان الفكري، وميدانها ميدان الممارسات، وميدانها ميدان المعاملات، وميدانها ميدان التربية الداخلية للمؤمنين لكي لا تكون منهم أخطاء وممارسات وسلوكيات تجعلنا ممقوتين من الله سبحانه وتعالى وتجعل الآخرين في حيرة أو تدفعهم ليكون لهم مواقف معادية.
فالواجب علينا أن نلتزم بمصلحة الناس الدنيوية والأخروية، وأن يشعر الناس جميعا بأننا لا نريد إلا صلاحهم وصلاح شؤونهم وأحوالهم وفلاحهم ونجاتهم، وأن نقدم مشروع الحكومة الإسلامية القرآني بكل وضوح وشفافية وصدق حسب ما يقدمه القرآن، ولنترك تلك التحليلات الدينية الزائدة والنظريات الدينية التخيلية التي من خارج كلام الله سبحانه وتعالى وتلك التفصيلات التي لا داعي لها، فإنها إن صحت في زمان من الأزمنة ووجبت في حينها فإنها لا تصح مع زماننا، ولو كانت لزماننا لما أهملها الله سبحانه وتعالى وهو الذي حفظ كلامه لنا في كل القضايا التي تهمنا الصغيرة منها قبل الكبيرة.
ولا داعي لقول الذي يعترض بقوله: "إن الحقائق قد كشفت"، فإن "نوح" عاش يدعو قومه ألف سنة إلا 50 عاماً إلى حقيقة واحدة، وتلك الحقيقة كانت تشهد بها أنفسهم ويشهد بها الخلق كله من حولهم، ومع ذلك فعل كل ما يستطيع فعله وقام بكل ما قدر عليه ولم يقل إن الحقائق قد كشفت إلا بعد ألف سنة إلا 50 عاماً، ثم استغاث بالله واستنصره فنصره الله سبحانه وتعالى.
ولسنا نطلب كل ذلك الوقت، ولكننا نطلب تضافر الجهود في نشر تلك الحقائق وأبعادها، وليكن كشفنا للحقائق وتثقيفنا للآخرين ونشرنا للعلم إقامة للحجة. ومع ذلك لتكن نجاة الآخرين ممن يعادينا ويحاربنا عند أنفسنا وفيها خير من هلاكهم، وفلاحهم خير من خسارتهم، وإن كنا نقول إننا نحرص عليهم في شؤون الآخرة فقط فإن الجواب إن كان الفلاح والفوز والنجاة في الآخرة يسعنا جميعا فإن الدنيا وهي المتاع القليل الزائل أعظم سعة لكي نتشارك فيها جميعا، وكما قال الله سبحانه وتعالى: "تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (الآية 83 من سورة القصص).
‏وقول الله سبحانه وتعالى: "وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا (23)" (من سورة الفتح)، فهذه سنة الله التي لا تبديل لها.
وإن اليهود وهم أهل الخبرة الدينية يعلمونها أكثر من غيرهم، ولهذا فإنهم يسعون في الأرض الفساد لكي ينشروا الكفر، فإذا كفر عدوهم وأصبح من شر الدواب الذين كفروا الصم البكم الذين لا يعقلون، فإنهم يغلبونه ويهزمونه، وهذا لا يخفى.
وأما محمد رسول الله والذين معه فقد اختاروا الطريقة المثلى، فهم يسعون لهداية أعدائهم، فإن رفض الحق والإسلام والإيمان وأحب الكفر فإنه يصبح من الذين كفروا، "وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون”.
ولهذا فإن السبب الرئيسي لانتصار الإمام علي (عليه السلام) في الأحزاب أن عمرو بن ود رفض الإسلام بعد أن خيره الإمام علي (عليه السلام) وأصر على القتال.
ولهذا أيضاً قال له النبي (صلى الله عليه وعلى آله) قبل فتح خيبر: "لئن يهدِ الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس"، وفي رواية: "خير لك من حمر النعم ومن الدنيا وما فيها”.
فقد كان القوم ينتصرون على أعدائهم، لأنهم يحرصون على هدايتهم وعلى الخير لهم، ولم يكن هذا الحرص سرا، بل كانوا يجاهرون به ويقدمونه واقعا عمليا.
‏فإن تقديم الحق بجماله وكماله وجاذبيته قولا وفعلا (قولا وفعلا- قولا وفعلا) تقبله النفوس الزاكية والقلوب الطاهرة، وترفضه النفوس الشقية والقلوب الرجسة. فأما من قبل الحق فإنه يكون منا وأخا لنا في الدين، وأما من رفض الحق بعد قيام الحجة البالغة والبرهان القاطع والنور الساطع فإنه يكون من الذين كفروا، وإن الذين كفروا هم شر الدواب وهم الصم البكم الذين لا يعقلون، فإذا كنا في معركة كتب الله الانتصار لنا عليهم إن كنا من المؤمنين...
ولنعلم أننا نواجه حملات تشويه وإفساد ثقافية (فكريا ونفسيا)، حملات شرسة بكل ما تعنيه كلمة شرسة وشديدة وكبيرة.
والحل في ذلك أن نتصف بالصفات التسع الآتية، ونكون من اتصافنا بها قد تسمينا بكل اسم من أسمائها، وتلك الصفات هي التي في قوله سبحانه وتعالى: "إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)" (من سورة التوبة).
فإن تحققنا بهذه الصفات فيما بيننا وبين الله أبطل الله تلك الحملات بدخولنا في قوله: "الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا" (الآية 76 من سورة النساء).

أترك تعليقاً

التعليقات