الاستغلال بين فسادين
 

طه أبكر

الشيخ طه أبكر / لا ميديا -
إن الفساد في السياسة والواقع والأحداث لم يكن إلا بعد الفساد في الثقافة والأدب والفكر.
وإن الاستعمار والاستشراق والتبشير وسائل الاستغلال الأوروبي. ولقد كان ميدان الثقافة والأدب والفكر هو ميدان المعركة الحقيقي.
ولقد جاءت أحداث أوكرانيا لتذكرنا بما يغيب عنا من العقيدة الأوروبية في أبناء الأمتين العربية والإسلامية.
ولقد ظهرت آثار الاستغلال الأوروبي في آراء المسلمين والعرب في هذه الأحداث، ورأينا الكثير من الشخصيات التي لم تنطق بكلمة ضد العدوان على اليمن أرضاً وإنساناً تصدر بيانات حريصة على الأرواح والدماء الأوروبية وتزعم أنها من منطلقات إنسانية. ولو بحثنا عن الحقيقة لعلمنا أن ذلك من آثار الغزو الثقافي الأوروبي لثقافتنا وفكرنا وأدبنا.
وسنرى آثار الثقافة الغربية في أنفسنا التي تجعلنا نتوجه إلى ثقافتنا الإسلامية بالنقد الهدام وإلى التسليم بالثقافة الأوروبية مع محاولات التبرير والاعتذار لأخطاء الغرب، والتي لا نقبلها عند الحديث عن الثقافة الإسلامية والعربية.
ولأنه قد ترسخ في نفوسنا الاحترام للثقافة الأوروبية فنحن نحترم الدماء والأرواح الأوروبية، في الوقت الذي تحتقر فيه الدم العربي والدم الإسلامي، وتمتهن الأرواح المسلمة والعربية، وما ذلك إلا لأننا نحتقر ثقافتنا العربية والإسلامية ونمتهنها.
ولم نرَ أوروبياً يقول إن الرئيس الأوكراني يهودي ونحن نصارى ليجعله مبرراً لتخاذله عن نصرة أوكرانيا. وفي الوقت نفسه نرى المسلم والعربي يبرر قتل المسلمين والعرب بدعاوى طائفية، لا ليتخاذل عن نصرته، بل ليبرر قتله وسفك دمه!
وإني لا أحمّل المسلمين ولا العرب إثم ذلك؛ ولكني أسعى لكشف الأسباب التي جعلت المسلمين والعرب بهذه النفسيات، ولا سبب أكبر من التأثيرات اليهودية والنصرانية على أبناء هذه الأمة العربية قبل الإسلام وتأثيراتهم على أبناء الأمة المسلمة بعد الإسلام.
ومن يراجع التاريخ قديماً وحديثاً يعلم علم اليقين أن وراء أكثر الفتن التي كانت بين العرب قبل الإسلام أيادي يهودية أو نصرانية، وكذلك الحال بعد الإسلام.
فلسنا ننسى دور اليهود يوم الأحزاب، ولسنا ننسى رجالات النصارى في دولة يزيد بن معاوية.
وإن كان ذلك تأثيرهم في التاريخ القديم فإن تأثيرهم في التاريخ الحديث أعظم وأكبر وأشد. ومن شاء أن يعلم خلفيات الكثير من المواقف السيئة لأبناء الأمتين العربية والإسلامية في الثقافة والأدب والفكر وفي السياسة والواقع والأحداث فليراجع التاريخ القريب ليرى أن الغرب بقسميه، اليهودي والنصراني، وراء كل ذلك، وسيرى أن الذي أعانهم على ذلك غفلتنا وجهلنا، وهذا ما نتحمل وزره وإثمه وإصره.
وسيعلم الناظر أن الفساد فسادان: فساد في الأنفس عبر الثقافة والأدب والفكر، وفساد في الأحوال عبر السياسة والأحداث والواقع.
و{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.

أترك تعليقاً

التعليقات