بين الاستغلال والاستقلال
 

طه أبكر

الشيخ طه أبكر / لا ميديا -
إن الفرق بين هذين العنوانين كالفرق بين جالوت وطالوت.
وإن الذي تعانيه البشرية في العصر الحديث إنما هو نتيجة للاستغلال، ولا حل لبني الإنسان إلا السعي من أجل الاستقلال.
وإن ضحايا هذا الاستغلال فئات ثلاث.
وهذه الفئات هي: الذين آمنوا خاصة، ومستضعفو الأرض عامة، والضعفاء. 
وإن المعركة الدائرة في حقيقتها إنما هي معركة دائرة بين إرادتين، إرادة الاستقلال وإرادة الاستغلال.
وتختلط الأوراق عندما ينتهج مريدو الاستقلال منهج مريدي الاستغلال، وعندما يدعي مريدو الاستغلال منهج مريدي الاستقلال.
ويزيد الطين بلة والأمر سوءاً والخرق اتساعا عندما يفر مريد الاستقلال من استغلال مريد الاستقلال إلى مزاعم ودعاوى الاستقلال عند مريدي الاستغلال.
ويكون ذلك عندما تضيع الحقائق وتختلط الأوراق، وحين لا يدرك المريد حقيقة ما يريد والطريق السوي إلى تحقيق ما يريد.
ونحن في عصر لم يترك فيه المستغلون شيئاً من الأشياء ظنوا فيه وسيلة إلا جعلوه مطية لتحقيق أهدافهم ومطامعهم الاستغلالية.
ومع استخدامات المستغلين لمختلف الشعارات الدينية والإنسانية والاجتماعية والقومية والأممية والوطنية والعلمية والحضارية يضيع مريدو الاستقلال من المستضعفين حين ينهجون نهج المستغلين والسير بسيرتهم، ولا حل لهم إلا الرجوع إلى نهج النبيين والمرسلين.
وعند استخدام الشعارات الدينية يقع المؤمنون في أشركة وفخاخ ومصايد المستغلين من حيث لا يعلمون، فلا بد من تصحيح الوعي ومراجعة الرؤى والالتزام بمنهج البحث العلمي في الاستقراء والاستنباط، فهذا هو عمل العقل والفقه.
ويرى الضعفاء التبعية للمستغلين وإن كانوا قد علموا بأنهم ليسوا إلا ميداناً لاستغلال المستغلين ولعبة من لعبهم.
وفي هذه المعركة لا إعداد يوازي ويماثل الإعداد العلمي الذي يفيده السمع والبصر والفؤاد.
وذلك لا يكون إلا حين يرجع الإنسان إلى الإنسانية على ما فيها من الأخلاط ولينفتح على ما حوله ثم لينهج منهج الرقي.
وإن كانت فئة من الناس في زمن الأميين ينطلقون من نقطة الصفر فنحن في هذا العصر علينا أن نشعر بأننا ننطلق من نقطة السالب.
وذلك لأننا في عصر نزعت فيه استقلالية الإنسان وفرضت عليه العديد من القيود بطرق تنظيمية.
ولنا في المسيرة القرآنية مشروع عظيم، فهي من الوهلة الأولى التي انطلقت فيها انطلقت مناهضة لنهج الاستغلال، فقد ناهضت بالشعار الاستغلال بالعناوين الكاذبة من حرية الرأي والتعبير مع مناهضة الاستغلال في دعاوى مكافحة الإرهاب.
وواجهت الاستغلال في الحروب الست وفي ثورات "الربيع العربي" وفي المبادرة الخليجية وفي ثورة أيلول وفي مواجهة العدوان.
وهذا أوان إدراك الحقائق، وعلى رأس تلك الحقائق حقيقة هذه المعركة وأبجديات هذا الصراع.
فنحن في مواجهات مستمرة مع المستغلين، ونحن لا نحارب شيئاً كما نحارب أن نكون عرضة لاستغلال أحد أو أن نكون وسيلة لتحقيق مطامع الطامعين.
وليحذر كل واحد منا أن يكون في نفسه أو في واقعه ذرة من الاستغلال لأي شيء من الأشياء.
وفي الاستقلال التسخير حين يفيد ويستفيد بعضنا من بعض، وفي الاستغلال السخرية حين يضحك بعضنا من بعض.

أترك تعليقاً

التعليقات