كلمة عن الإسلام
 

طه أبكر

الشيخ طه أبكر / لا ميديا -
سيكون الحديث في هذه المقالة عن الملة، وعن وصيتي إبراهيم ويعقوب (عليهما السلام) لبنيهم.
فإن من أهم ما ينبغي علينا التذكير به وفتح النقاش حوله: الدين الذي ننتسب إليه، والذي لا ينبغي لأحد من القائلين: «أسلمنا» أن يكون جاهلاً به أو غافلاً عنه. ومن أجل هذا سننقل نصاً من كلام الله سبحانه وتعالى، ونسعى من خلاله لتبيان بعض من حقائق هذا الدين.
«وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)» (من سورة البقرة).
إن الله سبحانه وتعالى يقرر في بداية النص السابق حقيقة عظيمة لا يستطيع إنسان يحترم إنسانيته أن يجادل فيها أو أن يخاصم عليها، وإن كان الإنسان أكثر شيء جدلاً وإنه لخصيم مبين، ولكنه لن يجد لنفسه إلا الإقرار بهذه الحقيقة إذا علم حيثياتها ومقدماتها. وهذه الحقيقة: «إنه لا يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه». وليس هذا من الهجاء، وحاشاه أن يكون كذلك، وإنما هو تقييم لمستوى الرشد عند هذا الإنسان وجوداً أو عدماً، نفياً أو إثباتاً. وإن لهذه الحقيقة حيثيات فرضت إثباتها حقيقة واقعية. وبالإمكان أن نعرض هذه الحيثيات في نقاط:
ـ النقطة الأولى: أن نعلم ما هي ملة إبراهيم. وملة إبراهيم هي الإسلام لله رب العالمين: «إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ».
ولا يقتصر الإسلام على القول فقط، بل هو قول وفعل، فهنا نقلنا إسلام إبراهيم القولي، وفي قصة الفداء الإسلام الفعلي.
ـ النقطة الثانية: أن نعلم المقدمة التي أوجبت هذه الملة، ونعلمها في قول حفيد إبراهيم، نبي الله يوسف بن يعقوب (عليهم السلام) لصاحبيه في السجن: «قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)» (من سورة يوسف).
ومن تلك المقدمة المقصودة قوله: «إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ»، فإن في قوله هذا بيانين: الأول: بيان سبب تركه لملة أولئك القوم، والثاني: بيان سبب اتباع أولئك القوم لتلك الملة.
فإن أولئك القوم لما كانوا لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر جعلوا لأنفسهم ملة مخالفة لملة إبراهيم، وذلك لأن الناس لا يعيشون في هذه الحياة إلا بملة، سواء كانت حقاً أم باطلاً. فإن فهمنا ذلك سنعلم أن الإيمان بالله وباليوم الآخر يفرض الإسلام لله رب العالمين، فالإسلام لله نتيجة حتمية لمقدمة واقعية هي الإيمان بالله وباليوم الآخر.
ـ النقطة الثالثة: أن الإنسان الذي يؤمن بالله وباليوم الآخر لن يجد لنفسه من ملة سوى تلك الملة، ولن يجد حرجاً في ذلك، ولن يمتنع عن ذلك إلا الإنسان الذي لا يسمع ولا يبصر ولا يفقه ولا يعقل، وبذلك فلا يصح أن يُقال عنه إنه يؤمن بالله وباليوم الآخر.
ـ النقطة الرابعة: إذا كان الإنسان يدعي الإيمان بالله وباليوم الآخر ثم يرغب عن ملة إبراهيم فإنه لن يكون إلا سفيهاً، فلا يمكن أن يكون راشداً من يخالف الله وهو يؤمن به ويؤمن بأنه الذي خلقه وهو الذي يملك نفعه وضره، وأنه هو الذي يملك حياته وموته ونشوره وهو يؤمن باليوم الآخر، وأن مصيره إلى الله في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وبعد هذه النقاط وغيرها لمن تدبر، لن يبقى من شك أو ريب في أن الذي لا يسلم ولا يخضع ولا يلتزم ولا يتبع توجيهات الله بالتنفيذ عند الطلب والانضباط عند المنع قد سفه نفسه وظلمها وخسرها خسراناً مبيناً، فإنه قد حرم نفسه من ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.
وبعد ذكر تلك الحقيقة بهذا القول المختصر ننتقل إلى صاحب الملة الذي علم ثمارها ونتائجها في حياته وهو يعطي لبنيه خلاصة علمه ونبوته وحكمته، وذلك في قوله: «يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ». فما أعظم هذه الوصية المنسية، وما أعظم قوله: «إن الله اصطفى...».
فمتى نعلم نحن أتباع خاتم النبيين أن الله اصطفى لنا الدين، وأن عظمتنا وعزنا وكرامتنا بالالتزام به، فنقول كما قال يوسف عليه السلام: «مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ».
فهذا الدين من فضل الله سبحانه وتعالى على الأمة المحمدية وعلى سائر الناس، وإن الواجب علينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى ليمنحنا المزيد من فضله، وأن نفهم ديننا ونعرف نعمة الله علينا، لكي نكون من المسلمين قولاً وفعلاً في أنفسنا وفي واقعنا، ولكي نكون محافظين على الالتزام به إلى ساعة الموت، فيكون لقاؤنا بالله سبحانه وتعالى ونحن على ملة إبراهيم، واتخذ الله إبراهيم خليلاً.
ولم تكن تلك هي وصية إبراهيم وحده، بل هي كذلك وصية نبي الله يعقوب (عليه السلام) لأبنائه، حتى أنه في ساعة وفاته أخذ من أبنائه العهد على عبادة الله وحده الذي لا إله لا هو الرحمن الرحيم.
وذلك الالتزام من إبراهيم ويعقوب في أنفسهما وأهليهما هو الذي جعل في ذريتهما لما عزفت عن اتباع الشهوات وحافظت على الصلوات والنبوة والكتاب.
وتظهر تلك التربية في إسماعيل وفي يوسف (عليهما السلام)، وما ذكر الله سبحانه وتعالى من حسن أخبارهما ومن جميل قصصهما ومن عظيم أقوالهما وأفعالهما وأحوالهم والتي كانت كلها شواهد على عظمة الإسلام وأنه الدين الذي به زكاء الأنفس وصلاح الواقع، وكيف لا يكون كذلك وهو دين الحق والعدل، وهو دين هداية الناس وسعادة الحياة مهما اختلفت الأحوال وتغيرت الأزمنة؟!
«إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ».

أترك تعليقاً

التعليقات