«إسرائيل»
 

إبراهيم الهمداني

إبراهيم الهمداني / لا ميديا -

جرى تداول هذه التسمية على اعتبار كونها إحدى مفردات الشأن السياسي في المنطقة العربية (الشرق الأوسط)، وكونها ـ أيضا ـ أهم وأخطر نتائج التخاذل العربي وهوان الأنظمة الحاكمة، التي أفرزها هذا الكيان الغاصب المحتل كفعل ضرورة، فرضت وجوده معطيات الأمر الواقع، ليصبح من خلال هذا الطرح، من أهم وأبرز معطيات الحيز الجغرافي المكاني سياسيا وثقافيا واقتصاديا وعسكريا وحياتيا بشكل عام.
انطلاقا مما سبق قام الإعلام الموالي للكيان الصهيوني ـ وخصوصاً الإعلام الخليجي ـ بتكريس مصطلح «دولة إسرائيل» و«إسرائيل» و«الحكومة الإسرائيلية»، للإشارة إلى وجود هذا الكيان الصهيوني المحتل الدخيل على أرض فلسطين والمنطقة العربية عموما، بوصفه وجودا شرعيا متحققا بسلطة الأمر الواقع، ومتمكنا بحضوره وتحالفاته، وتصويره كخصم مشاكس وندٍّ موازٍ لوجود الشعب الفلسطيني، صاحب الحق والأرض، وبدلا من أن تصفه وسائل الإعلام العربية ـ على الأقل ـ بالعدو المحتل الغاصب، تعمد إلى تحاشي مثل هذه المفردات التي من شأنها أن تسلبه شرعية وجوده المزعومة والمتوهمة، وتفضح عنجهيته وتسلطه، في هروب واضح يدل على تغلغل العمالة والارتهان والخضوع لليهود الصهاينة، ويكشف عمق التواطؤ المسبق بين الأنظمة العربية الحاكمة وهذا الكيان الغاصب، وتؤكد الاعتراف الضمني بحق ووجود وشرعية المحتل الصهيوني على أرض فلسطين العربية، باعتباره نظاما حاكما له حق تمثيل شعبه وحمايته، والمشاركة في صناعة مستقبل منطقة الوطن العربي، بوصف ذلك الكيان جزءا لا يتجزأ من المنطقة سياسيا ووجوديا.
يمكن القول إن ما قدمته وتقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لهذا الكيان من الرعاية والحماية والدعم الشامل الواسع النطاق، قد أسهم إلى حد كبير في تكريس الاحتلال الصهيوني في المنطقة على مختلف الأصعدة، خصوصاً عندما تكون علاقة الأنظمة العربية بالقطب الاستعماري المهيمن (أمريكا) مبنية على انتزاع الاعتراف بهذا الكيان المحتل، أو غض الطرف عنه وإشغال الرأي العام عن جرائمه، والاكتفاء إزاءها بالشجب والتنديد والاستنكار ومناشدة الأمم المتحدة.
وكما قدمت بريطانيا فلسطين لليهود وطنا قوميا في وعد بلفور، وتكفلت بجمع شتاتهم وتنظيم هجراتهم إليها من مختلف أقطار العالم، تسعى أمريكا إلى دعم هذا الوجود السرطاني الدخيل على جسد الأمة العربية، وتثبيت وجوده بمختلف الوسائل وسبل الدعم والحماية.
إضافة إلى ذلك يسعى الإعلام الصهيوني وعملاؤه، من خلال تكريس مسمى "دولة إسرائيل"، إلى إثبات استحقاق وجودي، يقوم على أسس دينية وعرقية وقومية وعنصرية، تدعي إرثا تاريخيا عن إسرائيل (يعقوب النبي عليه السلام)، وموروثا معرفيا كرَّس في الوجدان الجمعي صورة بني إسرائيل، انطلاقا من مدلولات التفضيل الإلهي، الذي شملهم في مواضعات الخطاب الديني عامة، بما فيها الخطاب القرآني، جاعلين من دعوى نزول يعقوب وإسحاق ـ عليهما السلام ـ في أرض كنعان، دليلا قاطعا على استحقاق تاريخي وجودي، يثبت لهم ملكية المكان، وحقهم الإلهي في استعباد غيرهم من الطوائف والأعراق والأمم.
وتأسيسا على ما سبق استطاع العدو الصهيوني توجيه وسائل الإعلام الموالية له، والخليجية منها على وجه الخصوص، وتسخيرها في تكريس مفاهيم ومصطلحات تخدم مصالحه، وتعمل على تزييف الوعي وتحريف الحقائق، ومسخ الهوية والانتماء، وتذويب خصوصيات الذات العربية، تحت مسمى "الشرق الأوسط"، الذي يصبح بموجبه وجود الاحتلال الصهيوني أمراً مقبولاً ومستساغاً ولا غبار عليه، بخلاف مسمى الوطن العربي، الذي يطرح ألف علامة استفهام حول هذا الوجود الدخيل والطارئ الغريب، ويدعو لمناهضته ورفض وجوده الاستعماري بمختلف الوسائل التي كفلتها الأديان السماوية والقوانين الوضعية، نظرا لما يمثله من خطورة جسيمة على هوية وانتماء الأمة العربية الإسلامية ومقدساتها.

أترك تعليقاً

التعليقات