إبراهيم الهمداني

إبراهيم محمد الهمداني / لا ميديا -

لم تتوقف جهود مؤسسة بنيان التنموية عند تدريب وتأهيل وتشجيع الأسر المنتجة، بل قامت بتبني مشروع اقتصادي متكامل، في سياق تحقيق الاكتفاء الذاتي، ابتداءً من دعم مشاريع الأسر المنتجة وتشجيعها وتدريبها وتأهيلها، وصولا إلى تبني وتنظيم عملية التسويق، لما له من أهمية كبيرة في نجاح مشروع الأسر المنتجة، وتحقيق الهدف الأساس الذي تسعى إليه تلك الأسر، وهو الحصول على لقمة العيش والاعتماد على الذات،والتحول من وضعية المتلقي السلبي، الذي يظل مرهونا بمساعدات الجمعيات والمنظمات وفاعلي الخير، وغير ذلك، إلى وضعية الإنتاج والحضور الفاعل في المجتمع.
ولأن تلك الجمعيات والمنظمات لا تقدم إلا الحلول المؤقتة، التي يبقى المجتمع معها رهين إحسانها، وحبيس حاجته وفاقته وعجزه، لذلك وغيره تبنت مؤسسة بنيان التنموية مشروع الأسر المنتجة، وفق استراتيجية منهجية ومدروسة، تبدأ من المشاركة -بمختلف مستوياتها- في تبني مدخلات الإنتاج، وصولاً إلى عملية التسويق، بما تشتمل عليه من إعدادات وترتيبات وجهود مضنية يبذلها القائمون على مشروع «سوق الخميس»، الاقتصادي التسويقي الرائد.
يعد الاكتفاء الذاتي هدفا استراتيجيا هاما، تعمل مؤسسة بنيان التنموية على نشره وغرسه في أذهان المواطنين والمنتجين المحليين، وخاصة الأسر المنتجة. ومن خلال «سوق الخميس»، تستطيع كل الأسر المنتجة عرض وتسويق وبيع منتجاتها المحلية/ الذاتية الصنع، بالشكل الذي يمكنها من تصريفها بطريقة سهلة وميسرة ومنظمة، وهذا بدوره يشجعها على الاستمرار في الإنتاج والتحسين والتطوير المستمر، للوصول إلى منتجات وطنية ذات جودة عالية، وفق المواصفات والمقاييس المحددة، حيث تولي المؤسسة قضية الجودة والمقاييس اهتماما خاصا وبالغا، ودائما ما تحث الأسر المنتجة على ضرورة تجويد الإنتاج، وضرورة مراعاة مقاييس الجودة، وهذه مسألة لا تهاون فيها، لما لها من أهمية كبيرة عند المستهلك، الذي سيبادر إلى شراء المنتج المحلي، ما دام يضاهي المنتج الخارجي في الجودة، واشتراطات الأمن والسلامة، وبذلك تعود للمنتج المحلي مكانته وصورته المتألقة.
إن الاهتمام بهذا المشروع التنموي الرائد يصب بالتأكيد في تعزيز حالة الصمود ومواجهة العدوان، بكافة أشكاله، وخاصة العدوان الاقتصادي، الذي يسعى إلى تركيع الشعب باستخدام التجويع، والتضييق عليه والتحكم به والنيل منه، في لقمة عيشه ومادة بقائه وقوام حياته، والسعي نحو جعل الشعب رهين مساعدات منظمات الأمم المتحدة، التي لا تعدو كونها منظمات استخباراتية، تعمل على تحقيق أهداف تحالف العدوان، وتسعى إلى تفكيك بنية المجتمع اليمني، والنيل من عزيمته وصموده.
لذلك وغيره كانت رؤية مؤسسة بنيان التنموية في تبني مشروع الأسر المنتجة ـ كواحد من مشاريعها الاقتصادية والتنموية المتعددة، لتعيد بذلك للمجتمع اليمني ثقته بنفسه، وتؤكد قدرته على استغلال واستثمار طاقاته الهائلة، وإمكاناته المتاحة، مهما كانت متواضعة، ليتربع «سوق الخميس» على الوجدان الجمعي، ويعيد إلى الأذهان تلك الأسواق الأسبوعية، التي كان المواطن اليمني يرتادها، ليتزود منها بما يحتاج إليه، ويبيع فيها ما هو في غنى عنه، وما زاد عن حاجته، وبذلك تسترجع الذاكرة الجمعية، طبيعة تلك الحياة التي عاشها الآباء والأجداد، في تموضعها التنموي، القائم على تحقيق الاكتفاء الذاتي، والعيش في إطار الممكن والمتاح والمتوفر، في تصالح كبير مع الذات، واعتزاز وشموخ وسيادة واستقلال.
يرسم «سوق الخميس» لوحة جمالية منقطعة النظير، تحمل في طياتها عبق التاريخ وأصالته، وتطور الحاضر وتجدده، سواء على مستوى المكان في رمزيته الجمعية التاريخية، وتوسطه الجغرافي وسهولة الوصول إليه، أم على مستوى تنوع وتعدد منتجاته (من بخور وعطور وإكسسوارات ومنظفات وأشغال يدوية وأزياء تقليدية... إلخ)، من حيث أهميتها التاريخية والاقتصادية، وتلبيتها لاحتياجات الاستهلاك المحلي، أو على مستوى ما تمثله بالنسبة للوجدان الجمعي، وما تعبر عنه من معاني الانتماء، والانتصار للذات اليمنية، في هويتها الخالصة وانتمائها المطلق وخصوصيتها المتفردة، وعلاقة الانسجام والتماهي والتلازم بين السلعة والذات المنتجة لها، بما يعكس حميمية العلاقة الممتدة عبر مئات السنين، من خلال توارث المهن والحرف والصناعات المحلية عبر التاريخ، الأمر الذي منح تلك السلع والمنتجات علاقة تلازم وتعالق وتماهٍ مع صانعيها، فقد تنسب السلعة إلى صانعها، وقد ينسب الصانع إلى صنعته وسلعته، وهنا يتجلى البعد الحضاري والإنساني، الذي يعكس صورة الإنسان اليمني، في خصوصيته وتفرده وتميزه وإبداعه، وحضوره المشبع بالحرية والعزة والكرامة والسيادة والاستقلال، في سياق مقاومة العدوان، ومواجهة حربه الاقتصادية الشرسة، وكبح جماح أطماعه في إخضاع هذا الشعب من خلال حربه الاقتصادية وحصاره المطبق، في جريمة من أبشع وأقذر الجرائم في تاريخ البشرية، إذ يسعى إلى قتل وإبادة شعب بأكمله، ولكن مشاريعه بدأت تتهاوى، ورهاناته تسقط الواحد تلو الآخر، وهاهو الشعب اليمني بقيادته الربانية، وحكمة قائده، وإخلاص رجاله الأحرار، خاصة العاملين في مجال الاقتصاد والتنمية، يتجاوز كل تلك المصاعب، ويتخطى كل الأزمات، وينتصر لإرادته وقضيته، ويسعى نحو الانتصار النهائي على محور الشر وقوى الإجرام والضلال، من خلال انتهاجه استراتيجية التصنيع، في المجال العسكري، والمجال الإنتاجي الاقتصادي، والمجال الزراعي... ساعيا نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي، ليفرض بذلك معادلاته الخاصة، ويضع قوانينه وشروطه، في تحديد طبيعة التحولات الحياتية العالمية حاضرا ومستقبلا.

أترك تعليقاً

التعليقات