لماذا لا يتعظ العرب...؟
 

مصطفى المغربي

لقد خاضت دول القارة العجوز في أواخر أربعينيات القرن الماضي، حرباً ضروساً قضى فيها 60 مليون إنسان، وكاد الألمان أن ينقرضوا في تلك الحرب.. كيف عالجت وطببت تلك الدول جراحها..؟.. كيف التأمت جراح تلك الدول من بعضها...؟
هل اعتبر التحالف البريطاني الفرنسي والأمريكي أيضاً الشعب الألماني والإيطالي والأوكراني عدواً أبدياً، ولابد من الإجهاز والقضاء المبرم عليه..؟.. من كان عدوهم الحقيقي في الحرب العالمية الثانية؟ هل النازية أم الألمان، الفاشية أم الطاليان، الماركسية أم الروس، الرأسمالية أم الأمريكان والإنجليز..؟
هل كانت حرب دول الحلفاء ودول المحور حرباً دينية طائفية (بروتستانت وكاثوليك وأرثوذيكس)؟
إذا كان الأمر كذلك، ما شأن الامبراطورية اليابانية البوذية والدول الأخرى كالفلبين وأيضاً العراق، بتلك الحرب؟ 
لم تكن حرباً دينية طائفية أو حرب أنظمة استعمارية، وإنما كانت حرباً تحكمت بها دكتاتوريات فردية بشتى صنوفها وأشكالها ومسمياتها، كان ضحيتها ملايين البشر من الشعوب التي استوعبت الدرس سريعاً، وأدارت ظهورها لحقبة حكم الديكتاتور الفرد والشعارات الجوفاء لها، وأقبلت بعدها ناشدة حكم الحكومات الديمقراطية ونظام المؤسسات، تاركة كل تلك الحرب خلف ظهورها في برهة وجيزة من الزمن، وتعود دولاً تقود ثورة صناعية وتكنولوجية دون غيرها من الدول التي لم تخض تلك الحرب، بل على العكس كانت المستفيدة بجلاء مستعمرات الدول المتحاربة، وعلى رأسها بلدان الشرق الأوسط العربية التي تغيرت ملامحها رغم ذلك، في ظل التأثر وليس التأثير في المستعمر بشتى صنوفه. . للأسف الشديد، العرب شاهدوا ويشاهدون دوماً وثائقيات (إسكابليس) عن الحرب العالمية الثانية التي عصفت بالقارة العجوز، بتفاصيلها الدقيقة.. ولكن لم يسألوا أنفسهم كيف عادت تلك الدول الأوروبية خاصة للتلاحم والاتحاد بعد تلك الحرب الطاحنة التي لازال البعض ممن عاشها أحياء يرزقون حتى الآن، ورغم اختلاف الثقافات واللغات وأعراق بلدانهم صنعوا الاتحاد الأوروبي بعملة واحدة (€)، ودون حواجز رسمية للتنقل بين شعوب تلك الدول..
لم يسأل العرب عن كل ذلك.. ولم يتساءلوا اليوم لماذا ألمانيا تقود الاتحاد الأوروبي رغم أن أغلب تلك الدول قد خاضت ضدها حرباً لم تبقِ ولم تذر، حيث راح ضحيتها بخلاف 60 مليوناً من البشر، بنية واقتصاد ألمانيا ودول أوروبية أخرى بشكل تام..؟ 
الجواب باختصار: لأن ديناميكية عقليات شعوب دول القارة العجوز والامبراطورية اليابانية وكذلك الروس، بناءة، وليست هدامة كما هي حال عقول العرب..
لأن تلك العقول بخلاف العرب يستخدمها أصحابها لما خلقت لها..
لأن تلك الشعوب بخلاف العرب تستفيد من أخطائها.. 
لأن تلك الشعوب بخلاف العرب تتجاوز أحقادها..
لأن تلك الشعوب بخلاف العرب وصلت الى قناعة بأن الإيمان بزعامة البشر الفردية أكذوبة نتيجتها حتمية، وهي ويلات الحروب التي تحصد البشر والشجر والعمران..
لأن تلك الشعوب بخلاف العرب آمنت بأن في الاتحاد قوة، وفي الفرقة وهناً وضعفاً، فعمدت لبناء اتحاد أوروبي بجميع نواحيه وجوانبه مالياً واقتصادياً وحربياً.. 
قد يسأل البعض: العرب لهم لسان واحد ودين واحد..! فما العيب فيهم إذن..؟!
الحقيقة المؤسفة أن العرب لهم عقول كسائر الشعوب، ولكن لايستخدمونها، وهم كذلك منذ قديم الزمان.
فلو كان العرب يستخدمون عقولهم: 
لما خاضوا حروباً لـ40 عاماً بسبب ناقة البسوس..
ومثلها بسبب الغش في سباق خيل (داحس والغبراء)..
ولو كانوا كذلك لما خاضوا حرباً طائفية مع بعضهم في الأندلس، لينقرضوا من أوروبا تماماً كالديناصورات المنقرضة.. 
ولو كانوا كذلك لما صنع الأتراك على جثامينهم وأرضهم وبلسانهم العجمي امبراطورية عثمانية إسلامية، بينما الإسلام بلغتهم، ومنبعه من أرضهم، ورغم ذلك غابت عقولهم، وخضعوا باسم الإسلام للامبراطورية العثمانية، ورضخوا لها رضوخ الناقة للبعير، ولازال البعض كذلك يمنِّي النفس بها.. 
ولو كانوا كذلك لما استعانوا بالغرب في حربي الخليج الأولى والثانية..
ولو كانوا كذلك لما أشعلوا بثروات النفط حروباً طائفية في العراق وسوريا وليبيا..
ولو كانوا كذلك لما تركوا بيت المقدس للصهاينة..
ولو كانوا كذلك لما أنفقوا مليارات الدولارات لشراء الأسلحة لقتل إخوانهم في الدين واللغة، كما تفعل دول الخليج اليوم في عدوانها على أصل الحضارة والعروبة ومجمع المدد ومنبع الفتوح الإسلامية..
ولو كانوا كذلك لما أنفقوا مليارات الدولارات في شراء الأندية الرياضية الأوروبية ولاعبيها..
ولو كانوا كذلك لما أنفقوا مليارات الدولارات في شراء اليخوت والقصور في طنجة وفرنسا وتركيا وغيرها..
ولو كانوا كذلك لما ألهت عقولهم الملوك والأمراء والرؤساء، وتعصبوا مع الأقلية المترفة ضد الأغلبية المعدمة.. 
ولو كانوا كذلك لما والوا الغرب وعادوا أصل العرب..
ولو كانوا كذلك لما فرقوا دينهم الواحد، ولما تعصبوا لمذهب فقط ليقتل بعضهم البعض باسم الله، بينما ربهم هو الله الواحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد..

أترك تعليقاً

التعليقات