حقيقة حصاد وريع الربيع العربي
 

مصطفى المغربي

لتتمكن الشعوب العربية من جرد حصاد الربيع العربي، يجب أن تبدأ من النهاية بهذه التساؤلات:
لو لم يكن هناك ربيع عربي سابق عصف بالبلدان العربية، هل كان (ترامب) يستطيع أن يترأس قمة إسلامية في بلد الحرمين، بعد كل تصريحاته التي تخللت حملته الانتخابية، والتي عجت بالعداء للمسلمين، خاصة المهاجرين إلى أمريكا، وتهجمه وتهكمه واستهزائه بالبلدان العربية، وعلى رأسها الدول الخليجية، ثم يعقب ترؤسه القمة جولة مباشرة إلى إسرائيل، والوقوف أمام حائط المبكى مرتدياً القلنسوة اليهودية..؟
بل لولا أحداث الربيع العربي التي مر عليها 6 أعوام، والكوارث التي ترتبت عليه في أغلب البلدان العربية، هل كان بإمكان للنظام السعودي أن يجرؤ على تنظيم قمة تحت مسمى (قمة إسلامية أمريكية)..؟
بهذا فقط لايسع الأكاديميين والمفكرين (العرب) سوى الاعتراف بهذه الحقيقة الجلية التي تؤكد أن الفضل كل الفضل لأحداث الربيع العربي، ولولاه لما كانت قمة الرياض العبرية، ولم يكن بالإمكان عقد قمة الرياض إذا لم يسبقها ربيع عربي، ما لم لكان الربيع العربي نتاجاً لها في هذا العام ٢٠١٧م، وذلك كرد طبيعي من الشعوب العربية على قمة العار هذه.
فالثابت أن نتائج الربيع العربي كانت ولازالت كارثية، حيث بدأت بإسقاط هيبات الحكومات العربية المستهدفة، لتلتهمها الفوضى الخلاقة التي تسببت بانهيارات اقتصادية في أحسن حال، وذلك كما حدث ويحدث لكل من تونس ومصر، بل إن من نتائج هذا الربيع ما كان ولازال قاتلاً ومشرداً للملايين من شعوب البلدان العربية، ويعزى الفضل في ذلك لاستغلال ذاك الربيع من قبل أنظمة عربية أخرى عمدت الى تصفية حساباتها مع أنظمة تلك الشعوب التي دخلت معترك ربيع ٢٠١١م.
بل إن التدخلات الأجنبية كانت ولازالت بتمويل عربي (خليجي)، ولم يعد خافياً التدخل الخارجي المباشر وغير المباشر كيد طولى في إسقاط أنظمة (عربية)، ولازال يحاول إسقاط البعض الآخر، فالتدخل في ليبيا كان مباشراً من قبل حلف الأطلسي، وبدعم معلن من قبل دول الخليج العربي (قطر والسعودية)، ونجحوا جميعاً في إسقاط نظام القذافي.
أما سوريا وما حدث ولازال يحدث، فهو نتاج دعم دول الخليج لفصائل المعارضة بالمال والسلاح، المعارضة المتطرفة والإرهابية منها أكثر من المعتدلة، بينما (اليمن) استطاع تجاوز كارثة الربيع العربي الذي خاض غماره لـ4 أعوام فقط، ولكن بعد فشل كل المراهنات على حرب أهلية يمنية، خاصة من قبل الدول العربية الممولة والمحفزة للربيع العربي، على رأسها (قطر والسعودية)، حيث خسروا الرهان على حرب يمنية أهلية، وكان لابد من مفاجأة اليمنيين بربيع من نوع آخر، فإذا بالسعودية تحزم أمرها على تحالف دولي باسم (عاصفة حزمها) لتشن حرباً بغطاء دولي على اليمن، لازالت قائمة منذ تاريخ ٢٦ مارس ٢٠١٥م.
أما العراق فلم يكن بعيداً عن كل هذه الأحداث، فعلى إثر الانسحاب الأمريكي (عسكرياً)، واحتدام صراع المكونات العراقية على الحكم، كان تمكين التنظيمات الإرهابية كتنظيم (القاعدة) ثم تنظيم (داعش)- المدعومين بالخفاء والعلن خليجياً وتركياً وأمريكياً - من اجتياح مدن عراقية بأسرها، بل السيطرة على حقول نفطية، غير أن فتح تنظيم (داعش) خطاً تجارياً نفطياً (برياً) مع تركيا، أسفر عن تحالف دولي لحربه بقوات عراقية، ولازالت معركة تطهير العراق منه جارية.
لقد أصبحت الحقيقة جلية وثابتة، وهي أن الربيع العربي لم يحصد ثماره وريعه سوى العدو الصهيوني وأمه المدللة (أمريكا)، بل شكل حصناً فولاذياً للعدو الصهيوني المحتل، ليصبح ربيعاً عبرياً وليس عربياً، وبكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالثابت أن أحداث ربيع ٢٠١١م لازالت ترسم خارطة شرق أوسطية جديدة بقفازات خليجية، حيث عاد هذا الربيع للأنظمة الخليجية بحصانة من شعوبها التي أصبحت ترى فيه أن الخروج على سلطة الحاكم نموذج  كارثي حي، والشاهد النموذجان الليبي والسوري، ونتاج له تركت الشعوب الخليجية حكامها يفعلون ما بدا لهم، حيث يبددون الثروات بالمليارات كعطايا وهبات للأمريكان تحت مسميات مختلفة، بل والتطبيع مع إسرائيل علانية تحت قباب (قمم) إسلامية أمريكية، في الوقت الذي لم يكن للشعوب العربية التي خاضت غمار ربيع ٢٠١١م، حصاد وريع سوى ويلات الحرب والدمار والقتل والتشريد والانهيار الاقتصادي لبلدانها التي لن تتعافى من كل ذلك إلا بعد مرور عقود من الزمن..

أترك تعليقاً

التعليقات