ثوب الوطنية الزائف
 

مصطفى المغربي

حقيقة أن الخيانة لا درجات لها كما هو حال الوطنية، ولكن هل للخيانة أنواع وأشكال مختلفة؟ وهل الوطنية (رداء)؟
قد يستغرب بعضكم هذا التساؤل، لكن حقيقة البعض استسهل هذا الأمر، وصنع لنفسه ثوباً يلبسه متى ما شاء، وينزعه متى ما رغب، وأطلق على هذا الثوب اسم الوطنية، ويعتبر نفسه وطنياً عندما يرتديه، ويؤجل وطنيته أو يجمدها إلى حين عندما لا يرغب بارتداء ثوبه، قد تكون لأغراض ولمصالح ذاتية كامنة في أعماقه، لكنها في أغلب الأحيان تكون مصالح مادية أو معنوية، بل يلجأ من يملك هكذا رداء الى أساليب غير أخلاقية في مهاجمة وتسقيط الغير على حساب ثوبه، ولكن هل نعتبر هكذا ثوباً (وطنية زائفة)؟ أم وطنية ناقصة؟ أم سوء فهم لمعنى الوطنية؟ ماذا نسمي من يلبس رداءً يسميه الوطنية؟ ومتى كان للوطنية رداء حتى يُلبس أو ينزع من قبل صاحبه؟ ثم لماذا يلجأ البعض الى الحصول على هذا الثوب؟ وما هو الدافع والمحفز لذلك؟
حقيقة قد تكون الأسباب والدوافع كثيرة ومختلفة تبعاً للسلوك الشخصي للفرد أو لإيمانه بسلوك طريق معين اختاره لنفسه، وقد تكون بدافع من وطنية حقيقية كامنة في أعماقه، لكن سوءاً في فهم هذا المفهوم أو سوءاً في تحليلاته جعله يلجأ الى ذلك، وهنا يطرح سؤال آخر نفسه، وهو: هل يكفي أن يحب الإنسان وطنه لأن يكون وطنياً؟ في رأيي حب الوطن وحده لا يكفي أن يكون دليلاً كافياً على وطنية شخص ما، فالوطنية هي تعبير عن مقدار التضحية من أجل الوطن، إذن الوطنية هي عطاء، وبالتالي هي ليست الحب فقط، ودرجات الوطنية مرتبطة بدرجات العطاء للوطن، ومن هنا نميز وبكل وضوح بين الوطنية الحقيقية وبين الوطنية الزائفة، فالوطنية الحقيقية هي صفة اقترنت بالمشاعر الصادقة للالتصاق بالوطن، وفي مختلف الظروف التي توجب ترجمة هذه المشاعر الى أفعال حقيقية، والإخلاص لها من أجل الوطن ومن أجل الدفاع عنه الى درجة إرواء أرضه بالدماء الطاهرة من أجله، والوطنية الحقيقية هي أن نقبل بكل مكونات الشعب لأنهم أبناء البلد الأصلاء، فهم من يضحي وتسيل دماؤهم على أرضه، وهم من يبني ويعمر، وهم من يحمل هموم الشعب، ويطوي الليل بالنهار من أجل السعي لخدمة المواطن.
أما الوطنية الزائفة أو المزايدة بالوطنية، فهي الشعور بالقهر والظلم السياسي أو المذهبي الذي يحاول البعض تكريسه أو محاولة اجتثاث لشريحة معينة باستخدام ذرائع وأسباب مذهبية عرقية أو حزبية لإبعاد شريحة أو شرائح مهمة عن الشراكة الوطنية وعن عملية البناء والاندماج بعد التحرر من التبعية واستقلال القرار، وبهذا فإن الهدف هو تفتيت اللحمة الوطنية التي تربط أبناء اليمن بصورة عامة، فاليمن متنوع بثقافاته، ومذاهبه متقاربة (زيدية وشافعية)، وما يجمع اليمنيين هو انتماؤهم لليمن المسمى الواحد وولاؤهم للوطن.
إن المرحلة التي نعيش فيها الآن يجب أن تتسم بالعمل الجاد لخدمة أبناء الوطن أكثر من السعي وراء أهداف مصلحية من أجل التسلط، وأيضاً تعريف المواطن وإدراكه لهويته الوطنية ومن عدو اليمن الحقيقي، فهي الخطوة الأولى نحو المواطنة، أما التجاهل ورفض الآخر بسبب الحقد السياسي، فهذا أمر مرفوض، ولا يخدم اليمن واليمنيين.
إذن، ما الطريق الذي علينا أن نسلكه لنكون وطنيين حقيقيين؟
الطريق الوحيد هو الوحدة الوطنية بين أبناء اليمن الواحد، وأن نرفض المناطقية ومسميات الطائفية المستحدثة والمستجدة على مجتمعنا، وأن نرفض التقسيم، وأن نكون مستعدين لتقبل الآخر، وأن ننسى الأحقاد والكراهية، وأن نفهم بعضنا البعض، وأن نعمل معاً لحل مشاكلنا، لا أن يكيد أحدنا للآخر، أو أن نستعين بأطراف خارجية لإيذاء أنفسنا ووطننا، أن نتحد ونلتف حول الجيش واللجان الشعبية، وأن نؤمن بأن الطريق الوحيد لاستعادة بلدنا عافيته هو مواجهة العدوان الأمريكي الصهيوسعودي، وأن نمد أيدينا الى أبطالنا في الجبهات، فهم خلاصنا، وألا ننجر الى إعلام العدو، وألا نثق أو نصدق ما يقوله من خلال أجهزته ومن خلال عملائه، وأن نفضح كل الخونة والعملاء وناهبي الوطن، وأن نرفضهم ولا نتعامل معهم، وأن نؤمن بأننا شعب واحد بجميع مكوناته، دون أن ننسى بعدنا العربي، وأن اليمن جزء لايتجزأ من الأمة العربية.

أترك تعليقاً

التعليقات