سماطة قبيلي بألف ربطة عنق
 

أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -

في طريق عودتنا من السبعين، استقللتُ أحد الباصات من "التحرير"، باتجاه "الحصبة"، مع مجموعة من أبناء محافظة عمران، وكان يبدو عليهم الفقر، ازدحم 4 منهم في مقعد مخصص لثلاثة رُكاب، أحدهم جلس بجانبي، وسادسهم بجانب السائق، تفاوضوا مع السائق على أن يأخذ منهم 100 ريال من كل واحد إلى جولة عمران، لكن الأخير ألح على 200 ريال، ثم توافقوا على 150، وأردف السائق: "سلام الله على عفاش"، ومن هُنا بدأ الحديث الذي لفت ذهني في ذلك المشوار. 
تحدث الرجال الكبار بالسن، الذين تحت أظافرهم بقايا من تراب ولحاء الشجر، بوعي سياسي عالٍ، لم يستخدموا قواميس علوم الاجتماع، بل تحدثوا بمنطق النقد الملموس لمرحلتين من عُمر اليمن، لواقع اليوم، وواقع ما قبل ثورة 21 أيلول 2014م. 
كان المذهل هو المنطق المتماسك المغمور بتربة الواقع الذي يصدر من مواطن كادح عاين الواقع السابق والحالي، وتؤثر فيه أدنى التغيرات السلبية والإيجابية، على عكس النخبوي السياسي والثقافي والاكاديمي الذي يعيش في برجه العاجي، والذي ربما لم يجد مغزى من ثقوب الرصاص في منازل حي الحصبة كما لمسوه هم. 
نقدوا الدولة السابقة التي عممت منطق التقطعات وقانون الغابة بدلاً عن مهامها في إقرار العدالة في مناطقهم، وأكدوا ارتياحهم من معيشتهم في الفترة الراهنة برغم العدوان، لأنهم وجدوا فيها الأمان والاستقرار الداخلي والعزة والكرامة، كما تحدثوا عن المرتزقة الذين نهبوا أموال الشعب وجاؤوا بالمعتدي الأجنبي ليواصلوا النهب ورهن الوطن. 
إن هذه التغيرات في بنية الوعي الاجتماعي هي ما يخيف القوى السياسية المرتبطة والموالية للعدوان، وما يجعلها تصم أنصار الله "بالكهنوت"، وفي حقيقة الأمر فالديمقراطية مع وجود حالة تنامي الوعي تخيف القوى السياسية المتهالكة، لا أنصار الله؛ فأنصار الله الذين يحشدون جموع الشعب إلى الجبهات ويُخلصون مع هذه الجماهير وأسر الشهداء والمرابطين والأسرى، الأنصار في نشاطهم الاجتماعي العسكري هذا وعلاقتهم مع المجتمع التي تترسخ، هم الأكثر قدرة على حشد الجماهير تجاه القضايا الاجتماعية الديمقراطية، فالجماهير التي تلبي دعوة أنصار الله إلى الجبهات، من الأيسر لها أن تلبي دعوة أنصار الله إلى صناديق الانتخابات! 
تجربة ثورة 21 أيلول التي طورت الوعي الاجتماعي، هي ما يخيف القوى السياسية المتهاكلة ودول العدوان، ففي هذه التجربة استطاع أنصار الله أن ينشطوا ضمن المشتركات الكبرى مع مختلف قطاعات الشعب اليمني ومع مختلف انتماءاتها وميولها، فثورة 21 أيلول عمَّت كل شمال اليمن وبعض المحافظات الجنوبية وانفتحت الثورة على الحراك الجنوبي وانفتح أنصار الله على القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني أي أن الأنصار في نشاطهم السياسي استطاعوا أن يتحركوا كقوة سياسية وطنية لها رؤية وقضية واسعة. لهذا تم اغتيال كوادرهم وإعاقة نشاطهم السلمي وجر البلد للحرب، من أجل إيقاف تقدمهم كقوة سياسية شعبية من خارج بنية السُلطة السابقة وعلاقات التبعية للأجنبي.

أترك تعليقاً

التعليقات