اليمن وأطماع الخارج (1 - 2)
 

أنس القاضي

عرض/ أنس القاضي / #لا_ميديا -

يستعرض هذا الكتاب أحوال اليمن وصراعاتها المحلية وكذا صراعاتها مع الاحتلال الأجنبي وأطماع ومكائد الخارج، كما تُقدمها التقارير التي أعدتها في حينه قنصلية بريطانيا في الحديدة وقنصلية الولايات المتحدة الأمريكية في عدن، إضافة إلى بعض الوثائق التي صدرت عن الإدارة الاستعمارية في عدن خلال الأعوام الـ30 الأولى من القرن العشرين، وهي أعوام شهدت بعض أصعب الفترات على بلادنا والعالم، وبالذات سنوات الحرب العالمية الأولى وكفاح شعبنا ضد الاحتلالين التركي والبريطاني، كما تشمل هذه الوثائق عددا من التقارير عن بلادنا التي وضعها أناس من مشارب متباينة، فمنهم الموظفون الرسميون وآخرون مغامرون أفاقون أو متنكرون تحت أكثر من ستار (ملخص مقدمة المترجم).  

تاريخ الكفاح اليمني 
الوثائق الواردة في الكتاب تلقي الضوء على الفترة الزمنية من مطلع القرن العشرين حتى بداية الربع الثاني منه (1900م- 1930م)، وهي فترة هامة في التاريخ الإنساني واليمني، شهدت فيها اليمن والعالم حراكاً سياسيا وعسكريا كبيراً، أدى إلى قيام دول وسقوط دول، ويُمكن القول بأن حدود الدول الوطنية الحالية في المنطقة والعالم تحددت بفعل تأثير تلك الحقبة التي حدثت فيها الحرب العالمية الأولى، حرب تقاسم المستعمرات، وتمخضت عنها الحرب العالمية الثانية؛ إعادة تقاسم المستعمرات وقيام حركات التحرر الوطنية في الدول المُستعمرة وشِبه المستعمرة.
وتُعد هذه الفترة التي يعالجها الكتاب عبر الوثائق المنشورة فيه من أهم الفترات التاريخية اليمنية في القرن العشرين، ففيها قامت الثورة التحررية عن الاستعمار العثماني الثاني حتى خروجهم وقيام أول دولة وطنية في المنطقة هي "المملكة المتوكلية اليمنية" كأول دولة عربية مُستقلة عن الاستعمار، وفيها ظهرت إمارة الإدريسي الانفصالية في الأراضي اليمنية المحررة من العثمانيين، وفيها أيضاً توجهت الجهود اليمنية نحو تحرير الجنوب اليمني والتصدي للحراك التوسعي البريطاني والسعودي، ونستطيع القول بأن الدولة المركزية اليمنية في حدودها المعروفة اليوم هي اليوم بما هي عليه كدولة واحدة بفضل جهود الإمام القائد يحيى حميد الدين، الذي حرر ودافع عن الشمال وتمسك بيمنية الجنوب وضغط من أجل تحريره إلى أن تم تحريره أخيراً في 30 نوفمبر 1967م بجهود "الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل" التي نظمت ووجهت النشاط التحرري كما فعل الإمام يحيى في الشمال.
الوثائق البريطانية والأمريكية المترجمة في هذا الكتاب تُعد مصدراً أميناً لنقل الأوضاع والأحداث والأمزجة والتوجهات والميولات التي كانت سائدة في تلك المرحلة، وهذا الكتاب حديث في طبعته (2017)، وما جاء فيه من وثائق سيكون لها دور في إعادة النظر في هذه المرحلة التاريخية اليمنية، فكثير من الكتابات التي وثقت لتلك الفترة تستند إلى وثائق رسمية، وخاصة في موضوع الدولة الوطنية اليمنية المستقلة والأطماع الخارجية ونضال الشعب اليمني في جنوب الوطن وشماله، هذا الموضوع البالغ الأهمية يُغنيه هذا الكتاب بوثائقه الهامة، وخاصة بأنها صادرة عن الطرف الاستعماري البريطاني والأمريكي، وهي أطراف كانت تتابع ما يدور في شمال اليمن وجنوبه بشكل دقيق من أجل تلبية مصالحهم الاستعمارية في اليمن، كما تنطوي هذه الوثائق على معلومات حول توجهات الدول الغربية الأخرى الإيطالية والألمانية والفرنسية التي كانت تتطلع إلى توطيد مواقعها في اليمن، ومعها شركات الاحتكارات العالمية سواء شركات الأسلحة التي تبحث عن سوق في اليمن أو شركات النفط والتعدين وغيرها من الشركات التي بعثت بالمستشرقين، وكانت ترى في اليمن ثروة بكراً يُمكن الاستفادة منها وتحويلها إلى "مستعمرة رائعة"، وفق توصيف أحد المستشرقين الفرنسيين الذي بعث بهذا المقترح إلى حكومته.
كما يُمثل الكتاب مرجعاً دبلوماسيا لمن يُريد البحث عن السياسة الدبلوماسية للإمام يحيى حميد الدين، حيث يتضمن رسائل الإمام لكل من: الملك جورج ملك بريطانيا، وسلطان لحج أحمد الفضلي، وأخبار الزيارات الدبلوماسية الأجنبية إلى صنعاء.
وعلى المستوى الداخلي، فإن وثائق الكتاب توثق الأمزجة الاجتماعية اليمنية وموقفهم من السلطات سواء الوطنية أو الاستعمارية أو السلطنات العميلة، وهذه الوثائق تفند الكثير من الدعوات والأسس المختلقة التي تبحث اليوم عن تجزئة اليمن تحت مسمى الفيدرالية بناء على اختلاق قصص -حول هذا التاريخ الذي تعالجه الوثائق- تلبي مصالح أصحاب الأهواء التسلطية الانفصالية التي تُقدم بعناوين مظلوميات مناطقية وطائفية، وتقدم هذه الادعاءات على أنها منطق التاريخ اليمني في تلك المرحلة.

أهالي ذبحان يقفون مع الإمام ضد الشيخ النعمان 
في إحدى وثائق القنصلية الأمريكية في 21 فبراير 1923م، نجد وقوف المواطنين في ذبحان تعز إلى جانب حكومة الإمام يحيى ضد شيخهم أحمد النعمان الذي فرض ضرائب قاسية تفوق الضرائب الرسمية التي أقرتها حكومة الإمام، وهو الأمر الذي أدى الى الاشتباك المسلح بالسيوف بين حاكم الإمام في تعز ابن الوزير والشيخ عبدالوهاب نعمان، شقيق شيخ ذبحان أحمد النعمان، والذي انتهى به الأمر إلى السجن، فيما كان يُعد أحمد النعمان للهجوم على تعز انتقاما، وتعرض الوثيقة كيف سعت بريطانيا الى استغلال هذه الحادثة، حيث وجهت الضابط السياسي  ج.أ. ريتشاردسون لتحريض المواطنين على مواجهة الإمام، إلا أن الإمام تصرف بحكمة وعدل، واستدعى حاكم تعز وعدداً من الشخصيات الاجتماعية في ذبحان إلى صنعاء، فيما ارتاح المواطنون لهذا الموقف، ورفضوا الدعوات الفتنوية البريطانية. 
إن كثيراً من الدعوات المناطقية والانفصالية اليوم هي امتداد لدعوات مماثلة حدثت في تلك الفترة، ليس بنزوع اجتماعي وإنما بدعم وتوجيه بريطاني عن طريق عملائها آنذاك، كـ"بيت الهيج" في تهامة على سبيل مثلاً، واليوم علينا أن نبحث عن التوجيه البريطاني في الانبعاث الجديد لهذه الدعوات غير الوطنية.

كتاب بريطاني سري بقائمة الشخصيات المؤثرة 
كما يحوي الكتاب وثيقة (كُتيب صغير) اسمه "بيانات أشخاص في عدن وغرب الجزيرة العربية". من إصدار الإدارة الاستعمارية البريطانية في الهند (كلكتا – مطابع حكومة الهند 1916م). يحوي الكُتيب السري عدداً من الأسماء من الشخصيات الاجتماعية والسياسية والدبلوماسية المؤثرة في المنطقة. وجاء في الوثيقة وصف الكتيب بما يلي:
"هذا الكتاب من ممتلكات حكومة الهند، والغرض منه زيادة المعلومات الشخصية للمسؤول الذي سلم الكتاب إليه، وهذا الشخص مساءل عن سلامة حفظه، ويتم الكشف عن محتويات الكتاب للأشخاص المخولين بذلك فقط". 
وكثير من الشخصيات الواردة فيه عملاء لبريطانيا. والكُتيب يُعد مرجعاً بريطانياً في التعامل مع الشخصيات الفاعلة التي كانت سائدة آنذاك، ومع كل شخصية تعليق وتوضيح عن تاريخها والمركز الذي تحظى به، وعلى سبيل المثال، وامتداداً للمثال السابق، نجد أن هذا الكتيب يتحدث عن الشيخ النعمان بأنه أحد جباة الضرائب في الحجرية الذي كان يأخذ الإتاوات من المواطنين مدعوماً بقوة عسكرية عثمانية، ومن مقارنة هذه المعلومة الموثقة مع حدث اصطدام الشيخ النعمان مع حاكم الإمام في تعز، الموثق أيضا، يمكننا فهم الدوافع الاجتماعية لذلك، وهي معارضة النعمان الحكومة اليمنية التي ردت سلطة الاحتلال العثمانية التي كان عاملاً لديها، وهناك معلومات وأحداث أخرى تتكامل مع بعضها في الوثائق التي يحتويها الكتاب، وفي وثائق أخرى وحقائق أخرى غير واردة في الكتاب، وبجمعها مع وثائق هذا الكتاب تكتمل أجزاء لوحة ذلك الواقع التاريخي الذي له تأثير على حاضرنا، ومن هذا الباب فإن هذه الوثائق تُساعد في فهم واقع اليوم وإعادة دراسته في سياق تاريخي متصل.

قلعة المقاطرة 
ومن المثير للاهتمام وجود وثيقة أمريكية من قنصليتها في عدن، مرفوعة إلى الخارجية الأمريكية، بتاريخ 12 أكتوبر 1921م. وتصف الوثيقة قلعة المقاطرة بأنها من أهم القلاع في الجزيرة العربية، وتقرب الإمام من أراضي يافع والمركز البريطاني المتقدم في "دكيم"، وكذلك نحو لحج الهدف المحتمل للإمام كما جاء في الوثيقة.

أترك تعليقاً

التعليقات