أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
بدأت المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس عملية عسكرية ضد دولة الاحتلال الصهيونية، وهي العملية العسكرية الأولى ذات الطابع الهجومي البري التي تقوم بها المقاومة الفلسطينية منذ سيطرة المقاومة الفلسطينية على غزة في العام 2007 بعد خروج المحتل منها في العام 2005 بفضل الفعل المقاوم.
بداية من العام 2008 حتى العام 2022 قام جيش الاحتلال بست عمليات عسكرية استراتيجية على قطاع غزة الفلسطيني، وعشرات الاعتداءات العسكرية التي لم تعلن كعمليات مفتوحة، ورغم هذه العمليات أخفق الصهاينة في تحقيق الأهداف المرسومة الاستراتيجية المتعلقة بتصفية المقاومة وسلاحها، واقتصر النجاح على اغتيال القيادات العسكرية من مختلف الفصائل الفلسطينية، إلا أن المقاومة استطاعت تعويضهم.
حملت كل جولة حرب مفاجآت، المفاجأة الأكبر في الواجهة الحالية كانت في عدم اكتشاف الاستخبارات العسكرية الصهيونية أن هناك تمهيدا لعملية بهذا الحجم، والمتغير الجديد تمثل في المداهمات العسكرية الفلسطينية والدخول إلى المستوطنات وخوض حرب شوارع فيها، والدخول إلى الأراضي المحتلة من البر والبحر والجو (عبر المظلات)، واستخدام تكتيك الرهائن في منع الجيش الصهيوني من القصف الجوي على المجاهدين في الميدان، ويُعد قصف فصيل فلسطيني منفرداً الأراضي المحتلة بخمسة آلاف صاروخ وقذيفة خلال ساعات متغيرا جديدا في كثافة النيران التي لم تشهدها دولة الاحتلال في أي من المعارك السابقة، وكذا السيطرة على أكثر من 5 كيلومترات كأراض محررة وآسر 35 صهيونياً واغتنام عدد من الآليات.
تأتي هذه العملية العسكرية بعد أيام من تنفيذ حركة الجهاد الإسلامي مسيراً عسكرياً مهيباً هو الأول من نوعه في غزة، وهي الحركة التي قادت الفعل المقاوم بدون دعم حماس في آخر مواجهتين مع كيان الاحتلال، فيما تشترك كل فصائل المقاومة في هذه المواجهة ما يجعلها الأقوى، لتدخل معها «إسرائيل» في وضع حرج لم تشهده من قبل، حسب تعليق الإعلام العبري.
رداً على هذه العملية، أعلن الجيش الصهيوني عملية عسكرية مضادة سماها «السيف الحديدي»، وحالة الطوارئ في نطاق 80 كيلومترا من قطاع غزة، وهرب المستوطنون بصورة جماعية بعد اقتراب مقاومين من مكان إقامتهم لحفل في غلاف غزة، وأعلنت الخارجية الصهيونية أن دولة الاحتلال في حالة خطر، وأغلقت سلطات الاحتلال مطار «بن غوريون» الدولي.
تتزامن العملية الفلسطينية مع ذكرى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، اشتركت في العملية التي تزعمتها حركة حماس كل من حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (كتائب أبو علي مصطفى)، وحركة المجاهدين، ولجان المقاومة الشعبية (ألوية الناصر صلاح الدين)، ودعت فصائل المقاومة إلى أن يعمم «طوفان الأقصى» على كل الأراضي المحتلة والضفة الغربية، داعية الجماهير الفلسطينية والأجهزة الأمنية في الضفة وكل فلسطيني إلى القيام بواجبه في هذه المعركة.
من المتوقع أن يقوم جيش الاحتلال بعمليات انتقامية على قطاع غزة، وقد تطول المواجهات إذا ما فشلت مساعي الوساطات التي تتدخل فيها كل من قطر ومصر، وسيكون من شأن هذه العملية أن تصبح تاريخية وتطوراً نوعياً وحدثاً فاصلاً في تاريخ الصراع في القرن الحادي والعشرين، في حالة حفزت الفلسطينيين في الضفة الغربية وعرب 48 والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية إلى الانتفاضة ضد جيش الاحتلال والمستوطنات، وبالتالي نضال الشعب الفلسطيني بتعدد تياراته، وبمختلف أشكال الجهاد المسلح والنضال المدني، والأوضاع مهيأة لذلك خصوصاً مع فقدان الأمل بالمسار السياسي وتكالب دول التطبيع ودخول السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس في أزمة سياسية حول وريث محمود عباس الذي بلغ من العمر 87 عاماً.

دلالة العملية في مجرى الصراع
تعد العملية الفلسطينية «طوفان الأقصى» عملية نوعية وتمثل متغيراً استراتيجياً في تاريخ المواجهات الفلسطينية الصهيونية من بعد العام 2008، وهي نتيجة نضج التجارب، وتراكم الخبرات الميدانية، وتطور الترسانة العسكرية والبشرية للفصائل الفلسطينية المقاومة في قطاع غزة، التي تتصدرها كل من حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كفصائل رئيسة إلى جانب عدد من الفصائل الأخرى منها جناح عسكري منشق عن حركة فتح «شهداء الأقصى».
خاضت المقاومة الفلسطينية في غزة 6 حروب مباشرة كمواجهات عسكرية كبرى، إلى جانب عشرات الاعتداءات الصهيونية والردود المقاومة، طوال هذه الفترة من العام 2008 حتى العام الحالي 2023 تطورت الخبرة الفلسطينية وأعادت بناء كياناتها العسكرية لمواجهة المتغيرات، وتطور البرنامج الصاروخي من صواريخ بدائية تستهدف مستوطنات غلاف غزة، إلى صواريخ رد وتهديد فعلية تصل إلى «تل أبيب» المحتلة وما بعدها.
فعلى وقع المقاومة الفلسطينية اضطرت دولة الاحتلال للانسحاب من قطاع غزة وإخلاء المستوطنات ومن حينها، وبشكل أدق من العام 2008 عقب سيطرة حركة حماس على القطاع بعد فوزها في الانتخابات، بدأ الكيان الصهيوني بعمليات عسكرية عدوانية هدفت إلى اجتثاث حركات المقاومة وسلاحها، وهي سبع عمليات رئيسة، كالتالي: معركة الفرقان (2008/2009)، حجارة السجيل (2012)، العصف المأكول (2014)، معركة صيحة الفجر (2019)، سيف القدس (2021)، وحدة الساحات (2022)، ثأر الأحرار (2023).
ورغم هذه العمليات كانت تخرج المقاومة الفلسطينية أقوى وتكتسب المزيد من الخبرات، إلا أن المخيف للكيان الصهيوني كان تطور البرنامج الصاروخي الفلسطيني، بدأ البرنامج الصاروخي مع حركة حماس، ففي 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2001، وانطلق أول صاروخ لكتائب عز الدين القسام، باتجاه مستوطنة سديروت في الأراضي المحتلة، وحمل اسم «قسام 1» وكان بدائياً، إذ يتراوح مداه بين 2 و3 كيلومترات. وفي العام 2022 أزيح الستار عن الصاروخ الأحدث «عيّاش 250»، الذي يُعد الأبعد مدى حتى الآن، انطلق للمرة الأولى يوم 13 مايو/ أيار 2021، تجاه مطار رامون جنوب فلسطين وعلى بعد نحو 220 كلم من غزة، وبين «قسام 1» و»عياش»، عشرات الصواريخ قصيرة المدى.
ولم يعد البرنامج الصاروخي حكراً على حماس، بل بات لدى بقية الحركات الفلسطينية الأخرى برامجها الصاروخية، وأبرزها حركة الجهاد الإسلامي، أما الخوف الصهيوني الراهن فهو انتقال البرنامج الصاروخي إلى الضفة الغربية، خصوصاً وأن المقاومة الفلسطينية في الضفة استخدمت مؤخراً صواريخ بدائية تذكر العدو بالتطور الذي جرى سابقاً في غزة.
فيما يَظهر برنامج الطيران المسير الناشئ كخطر أكبر، إذ من شأنه أن يغير معادلة الصراع، الطائرات المسيرة تظل الهاجس الأخطر الذي يؤرق «تل أبيب»، لطابعها المزدوج فهي قادرة على الهجوم والإصابة الدقيقة في مديات أبعد وقادرة على جمع المعلومات الاستخباراتية، لتزيد بذلك من فاعلية القوى الصاروخية والمدفعية.

أترك تعليقاً

التعليقات