أنس القاضي

أنس القاضي /  لا ميديا -

مع تضييق تحالف العدوان على الحديدة ومينائها بذريعة دخول الأسلحة والاستفادة من موارده الشحيحة في دعم المجهود الحربي، قدم السيد عبدالملك الحوثي مبادرة تهدف إلى تحييد الاقتصاد وإعادة صرف رواتب موظفي الدولة والحفاظ على سعر صرف العملة الوطنية، وتغطية واردات اليمن من المواد الغذائية بالعملات الصعبة، بإعطاء الأمم المتحدة دوراً إشرافيا على ميناء الحديدة، بشرط أن تسلم كافة إيرادات الحديدة للبنك المركزي في صنعاء ولا تستغل من أي طرف سياسي، وأن تصب كل الإيرادات لصالح المواطن، وأن تسهم في الحفاظ على استقراره المعيشي واستقرار العملة.
توجهات قائد الثورة وخطاباته الداعية للاهتمام بتفعيل مؤسسات الدولة ومكافحة الفساد، تعني في نهاية التحليل رعاية العاملين الذاتي والموضوعي في المواجهة، أي إسناد الشعب الصامد ليواصل الصمود ويقوم بدوره في المواجهة، ومن جهة أُخرى تنمية العمل الموضوعي البناء التحتي الذي يقوم عليه الصمود الاجتماعي، وهي عملية جدلية مترابطة، فكلما تحسن أداء الدولة كان المجتمع أكثر قدرة على الصمود في وجه العدوان والحصار، وأكثر قدرة على القيام بمسؤولياته الشعبية وحمل العبء عن الدولة في الجوانب التي لا تستطيع الدولة بوضعها الحالي القيام بها على نحوٍ أكمل، وهي جوانب التحشيد وحروب العصابات التي لها طابع شعبي ثوري لا مؤسسي حكومي بيروقراطي.
ومن المهم في هذا السياق إيراد نقاط هامة وردت في خطابين لقائد الثورة وتكررت في كثير من الخطابات، وهي نقاط واضحة تشير إلى هذه الجدلية التي تعامل من خلالها قائد الثورة مع حل مسألة إسناد صمود العامل الذاتي وتنمية العامل الموضوعي.
في خطابه بمناسبة ذكرى مرور عامين من الصمود في وجه العدوان 26 مارس 2017، تحدث السيد قائد الثورة عن 12 نقاط رئيسية متعلقة بالوضع العام في مواجهة العدوان والتخفيف من معاناة الشعب، وفيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية وإصلاح مؤسسات الدولة وتفعيلها، جاء ما يلي:
ـ تفعيل مؤسسات الدولة ومراجعة أدائها وربطها بالواقع للقيام بمسؤولياتها وواجباتها.
ـ تطهير مؤسسات الدولة من الخونة الموالين للعدوان.
ـ إصلاح القضاء وتفعيله.
ـ تشكيل وتفعيل اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء.
ـ إصلاح وتفعيل الأجهزة الرقابية للقيام بمسؤوليتها في محاربة الفساد والحد منه.
ـ ضبط الموارد المالية وإصلاحها وتوسيع دائرتها والاستفادة من كل الفرص المتاحة وهي كثيرة.
ـ العناية القصوى بالزكاة وتخصيصها للضمان الاجتماعي لصالح الفقراء.
ـ الاستمرار في تطوير القدرات العسكرية وعلى رأسها القوة الصاروخية.
ـ إصلاح وتوجيه العمل الإغاثي والإنساني بما يضمن وصول المساعدات للمحتاجين والمنكوبين والنازحين.
وضمن 8 نقاط أكد عليها قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي في خطابه بمناسبة حلول رمضان 26 مايو 2017، جاء ما يلي:
«أدعو كل الميسورين والخيّرين في هذا البلد إلى العناية القصوى بالتكافل الاجتماعي ورعاية الفقراء والمحتاجين من كل فئات الشعب، وفي المقدمة أسر الشهداء والجرحى والنازحين.
أدعو الجهات الرسمية إلى العناية القصوى بالقيام بمسؤوليتها في خدمة الشعب والتصدي للعدوان والسعي بكل اهتمام لإعانة الموظفين الذين حُرموا من مرتباتهم بفعل مؤامرات ومكائد الأعداء، وعلى المكونات الممثلة في الحكومة السعي الجاد لتفعيل وترشيد الأداء الحكومي بكل إخلاص وجد ومصداقية ومسؤولية وترك المماحكات والاتهامات والمناكفات الصبيانية واللامسؤولة والتي لا فائدة منها، ومردودها ليس سوى تدني وتراجع الأداء الحكومي وتضرر الشعب. كما أدعو إلى تفعيل الأجهزة الرقابية وتصحيح وضعها وتفعيل الرقابة الشعبية كعاملٍ إضافي مساعد لضمان الحد من الفساد المالي».

مقاومة العدوان الاقتصادي
لم يقتصر العدوان الأمريكي السعودي على الجانب العسكري فقط؛ فمنذ البداية انتهج المعتدون أكثر من مسار واستراتيجية. وكانت الحرب الاقتصادية موازية للحرب العسكرية في كل مراحل العدوان طوال 5 أعوام، حيث ارتكب التحالف جرائم اقتصادية عديدة، متعمداً استهداف القيمة الشرائية، وتحويل اليمنيين إلى لاجئين ومرتزقة يقايضون حريتهم بالخبز والدواء، وكذلك تحويل الجمهورية اليمنية إلى سوق استهلاكية لمنتجات الاحتكارات الأجنبية. ولذلك فقد تعامل التحالف الإمبريالي مع البنية التحتية للاقتصاد اليمني كهدف عسكري، مخالفاً بذلك كل القوانين الدولية؛ فدمر العدوان وسائل الإنتاج من المصانع والمزارع والقوارب، وقتل العمال والفلاحين والصيادين والتجار والباعة والمتسوقين. كما استهدف كل القطاعات والوحدات المرتبطة بالنشاط الاقتصادي، من الأسواق والمخازن وشبكات المياه ومحطات الكهرباء والطرقات والموانئ والمطارات. ولايزال العدو يتخذ من الحرب الاقتصادية وسيلة من وسائل الحصار وتركيع الشعب. وكاد تحالف العدوان يركع الشعب اليمني في حربه الاقتصادية ويحقق ما عجز عن تحقيقه في الميدان العسكري، لولا التحرك الشعبي الدائم نحو إعادة بناء ما هدم، وصناعة الجديد وترميم القديم كنشاط اقتصادي مرتبطة استمراريته باستمرارية الحياة.
لقد كانت السلطة الثورية والوطنية في صنعاء على دراية بخطورة الحرب الاقتصادية وأهمية الحفاظ على استقرار الجبهة الداخلية، فمنذ تشكيل المجلس السياسي الأعلى اتخذ الرئيس الشهيد الصماد نهجا اقتصادياً إنتاجيا للتخفيف من آثار الحرب الاقتصادية والسعي نحو الاكتفاء الذاتي، فشهدنا في الواقع توجه الشعب اليمني إلى الإنتاج الزراعي وإلى تطوير الإنتاج المنزلي إلى معامل تعاونية ومشروعات صغيرة.
حيث تم زراعة القمح وحصاده في كل من ذمار وصعدة والجوف وإب، وكذا إعادة تفعيل شركة صناعة الأدوية الوطنية، وإعادة تفعيل أجزاء من مصنع الغزل والنسيج في صنعاء، وغيرها من الخطوات الرسمية والشعبية التي تهدف إلى الإنتاج المحلي.
ويُعتبر التوجه الاقتصادي الإنتاجي، الذي لطالما تحدث عنه قائد الثورة، جوهر رؤية الرئيس الشهيد صالح الصماد، في مواجهة الحرب الاقتصادية والتخفيف من معاناة الشعب، والذي أكد عليه الرئيس الشهيد في شِعاره «يد تحمي ويد تبني». ويقضي هذا التوجه بضرورة الاهتمام بالإنتاج الزراعي والصناعي، وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي، موجهاً الحكومة القيام بما يلزم من أجل الوصول إلى هذا الهدف، وعدم الركون إلى الخارج.
«لا تراهنوا على أي دعم خارجي، بل يجب أن تضعوا الخطط الطارئة القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى لنصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي. حسنوا الإيرادات العامة. ابتكروا وأبدعوا الحلول وستنجحون بالعزم والإرادة، اهتموا بالجانب الزراعي، للصناعة، لأشياء كثيرة لا يمكن سردها في هذا المقام» (من خطاب الرئيس الشهيد الصماد في الذكرى الأولى لتشكيل المجلس السياسي الأعلى).

الاهتمام بالزراعة
في طبيعة تركيبة المجتمع اليمني تعيش الغالبية في الريف وتعمل على الزراعة. وحيث إن الزراعة هي القادرة على النمو في ظل الحصار، على عكس القطاع الصناعي الذي يعجز عن مقاومة الحصار، فإن هذا جعل نهوض الإقطاع الزراعي من أولويات قائد الثورة. فقد كرس السيد كثيراً من خطاباته للحديث عن الاقتصاد بالحديث عن الزراعة، وهي دعوات لقيت تفاعلاً وحماسة من المزارعين اليمنيين. ويبرز الاهتمام بالزراعة لدى قائد الثورة من منطلق فلسفي أو من قناعة وتحليل بأن الحرب مع العدوان ستظل مفتوحة حتى الظفر بالنصر، وقد تمتد إلى سنوات عديدة، بل إلى مستوى أجيال. وبعد النظر هذا في المواجهة وعدم التعويل على الحلول الاستسلامية هو ما ولد القناعة لدى قائد الثورة بضرورة التوجه نحو نهوض القطاع الزراعي من أجل ضمان المواجهة وإفشال توجهات العدو بالضغط على اليمنيين للتخلي عن الثوابت المبدئية مقابل الخبز.

الصناعة العسكرية
إلى جانب الصناعات الغذائية والمدنية، تركز اهتمام قائد الثورة على الصناعة العسكرية، بما لها من علاقة بمجريات المعركة والإعداد في مواجهة أحدث الأسلحة الغربية التي يمتلكها تحالف العدوان. فلقد رعت قيادة الثورة هذا الجانب بسرية تامة، ومع إيمان عميق بإبداعية وقدرة الإنسان اليمني على الإنتاج والتطوير، إلى أن أصبحت دائرة التصنيع العسكري والقوة الصاروخية مثلاً ونموذجاً يُشار إليه بالبنان، ويؤكد بها قائد الثورة قدرة الشعب على الإنتاج والإبداع، ويدعو بقية القطاعات الزراعية والصناعية المدنية الغذائية إلى الاقتداء بها.
إيمان قائد الثورة بالشعب وقدراته الجبارة في الإنتاج والإبداع إيمان مطلق يُراهن عليه في سياق معركة مواجهة العدوان. وهو موقف تقدمي في واقع البُنية السياسية اليمنية على مستوى الأحزاب والنخب السياسية السائدة، التي تفتقر الإيمان بالشعب في التغيير الثوري أو الانتقال الديمقراطي، ولهذا فلم يكن مُستغرباً أن تتردد القوى السياسية الكلاسيكية على مكاتب السفارات وتتجاهل الشعب، وامتداداً للعقلية السياسية ذاتها التي لا تؤمن بالشعب، تراهن بعض القوى اليمنية على دول العدوان أو المجتمع الدولي، وتنسب منجزات القوة الصاروخية اليمنية إلى دول أُخرى، في إطار التبخيس بالشعب، الذي تدعي وصلاً «شرعيا» بهِ. وعلى عكس هذه القوى السياسي اليمنية الانهزامية والخيانية، نجد أن السفير الروسي لدى اليمن، فلاديمير ديدوشكين، أكثر ثقة بالشعب اليمني، وأكثر شجاعة في الاعتراف بأن الشعب اليمني شعب موهوب وهو من يصنع الطائرات المسيرة.

أترك تعليقاً

التعليقات