أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -

في "حروب الجيل الخامس" -وتعد الحرب العدوانية على اليمن ضمنها- لا تلعب القوات المسلحة النظامية الدور الرئيسي في الحرب، بل غدت تتصدر ساحات القتال "الفواعل المسلحة" من غير الدول، مثل الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة ومنظمات "المعارضة" المسلحة. وتقوم الدول باستخدام هذه الفواعل المسلحة للتهرب من تبعات التدخلات المباشرة سواء التكلفة المالية والبشرية للجنود أو مسؤولية الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان وانتهاك السيادات الوطنية. 
وتُعرف حروب الجيل الخامس، بأنها "حروب بلا قيود تهدف إلى هزيمة الخصم وتفجير الدولة من الداخل بالتركيز على إثارة التناقضات والانقسامات المجتمعية وتعميقها". فهي تستهدف المجتمع بشكل أساسي، وليس القوات العسكرية للخصم، تقوم باستغلال التناقضات في المجتمع وتعززها وتستخدمها في هدم الدولة، عبر المواجهات العسكرية وغير العسكرية، وبتوظيف مجالات الحروب الاقتصادية والمالية والمعلوماتية والنفسية والفكرية والإفسادية والبيولوجية وغيرها، وتقوم حروب هذا الجيل على تحالفات واسعة تضم الدول والقوى المسلحة الفاعلة غير النظامية سواء كانت جماعات إرهابية أو أحزاباً سياسية أو عصابات الجريمة المنظمة والشركات الأمنية (للمرتزقة)، وغيرها من القوى التي يجمعها هدف مشترك يتمثل في إسقاط الدولة، ويختلفون على كل شيء، وهذا ما يتجلى في طبيعة أطراف تحالف العدوان على اليمن، وفي مجلات الاستهداف التي ينشطون فيها. 
ليس هناك تعريف محدد للحروب الهجينة، العقيد فرانك هوفمان من الجيش الأمريكي عرَّف الحرب الهجينة في كتابة "حروب المستقبل، عصر الحروب الهجينة"، بأنها "الاستخدام المتزامن والمتقن، لمزيج من الأسلحة التقليدية والتكتيكات غير النظامية، والإرهاب والتصرف الإجرامي في ساحة المعركة من أجل تحقيق أهداف محددة". فيما عرَّف حلف الناتو للحرب الهجينة بأنها "الاستخدام المتكامل لأنواع مختلفة من الإجراءات العسكرية وغير العسكرية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الشاملة". 
فيما الرؤية الروسية للحروب الهجينة يمكن استخلاصها مما كتبه غيراسيموف، حيث يقول: "قواعد الحرب نفسها قد تغيرت، لقد نما دور الوسائل غير العسكرية لتحقيق الأهداف السياسية والاستراتيجية، وفي حالات عديدة، فاقت هذه الوسائل قدرة الأسلحة من حيث فاعليتها، لقد تبدل تركيز مناهج الصراع المطبقة باتجاه الاستخدام الواسع للإجراءات السياسية والاقتصادية والمعلوماتية والإنسانية، وغيرها من الإجراءات غير العسكرية، وهذه تطبق بالتنسيق مع قابلية الاحتجاج لدى الشعب". وتعريف غيراسيموف يتعدى سمة الحرب الهجينة، ويتصل بسمات حروب الجيل الخامس ككل.
ويقصد بالحروب الهجينة تلك الصراعات التي تتضمن الجمع بين استخدام القوات المسلحة التقليدية والقوات غير النظامية مثل الحركات الثورية والحركات المضادة للثورة والجماعات الإرهابية، والتي تشمل توظيف الفاعلين من الدول ومن غير الدول، والذين يسعون لتحقيق هدف سياسي مشترك.
وقد استخدمت هذه التكتيكات في سوريا حيث عمل حزب الله وللجان الشعبية في سوريا على إسناد القوات النظامية للجيش العربي السوري، كما قامت "وحدات الحماية الكردية" بذات الدورـ وأيضاً قوات الحشد الشعبي العراقي، حيث لعبت هذه التشكيلات الشعبية دوراً هاماً في التصدي لداعش في سوريا والعراق.
 وعبر هذا الشكل من الحروب الهجينة تسلل نفوذان استعماريان إلى سوريا؛ الأول النفوذ التركي عبر مليشيات "الجيش الحر" المعارض في سوريا، والنفوذ الأمريكي عبر "قوات سوريا الديمقراطية". 
ويسعى الدور الأمريكي والتركي إلى تفكيك سوريا واقتطاع أجزاء منها، وهي مشاريع عدوانية ما كانت تركيا وأمريكا قادرتين على التحرك فيهما بدون التغطية على نشاطهما بمليشيات شعبية من أبناء سوريا، وبدون استثمار للحالة الاحتجاجية أو السياسية المعارضة للنظام لدى هذه الجماهير. 
وعلى غرار النموذج في سوريا، طبقت دول العدوان نموذج الحروب الهجينة في اليمن، حيث قدمت بمشاريعها الاستعمارية التوسعية خلف عنوان دعم حكومة هادي التي انتهت شرعيتها، كما استثمرت في الوجود السياسي لقوى معارضة لأنصار الله وتعتبرهم انقلابيين، وهو موقف ضمن الانقسام السياسي العام في اليمن، فالمقصود هو أن الاختراق السعودي الإماراتي جاء عبر هذا الانقسام.
في هذه الحرب تستخدم السعودية التكتيكات النظامية والتقليدية والتكتيكات غير النظامية، للتأثير السياسي على اليمن في إعادة حكومة هادي العميلة، ففي جانب تمثلت القوات النظامية بالجيش السعودية وبعض القوت العسكرية الموالية لهادي، وعبر هذه القوات النظامية تم أمران، تغطية السعودية بقواتها النظامية على قوات المرتزقة المحليين اليمنيين والمرتزقة الأفارقة والأجانب، وعلى سبيل المثال ففي محافظة المهرة اليمنية تعمل مليشيات حزب الإصلاح وحكومة هادي كرأس حربة في مشروع التوسع السعودي في المحافظة من أجل مد خط أنابيب نفطي للمملكة السعودية من أراضيها عبر المهرة إلى البحر العربي، ولما كانت السعودية غير قادرة على تنفيذ هذا المشروع التوسعي بصورة مباشرة، وتخشى من رد فعل المجتمع المحلي اليمني والدولي، فقد تحركت عبر مليشيات الحكومة العميلة وعبر القوات النظامية للحكومة العميلة التي تعمل على استحداث نقاط ومعسكرات جديدة في محافظة المهرة خدمة للتوسع السعودي، وقد لاقت مقاومة شعبية من قبائل المهرة. 
كما قامت الحكومة العميلة بضم الجماعات المسلحة الإجرامية والإرهابية والمليشياوية المختلفة التي لا تخضع لسيطرة حكومة هادي، وغطتها باسم "الجيش الوطني"؛ وعملت على حمايتها من رد فعل الشارع ومن الموقف الدولي الذي له موقف من الجماعات الإرهابية، حيث قامت الحكومة العميلة بإعطاء بعض الجماعات والشخصيات الإرهابية والحزبية الإصلاحية أسماء وحدات ورتب عسكرية فيما هي معروفة بأنها جماعات إرهابية. 
إن هذه السمة باعتبارها سمة عامة لحروب الجيل الخامس، ففي الطرف الآخر ظهر هذا الشكل من الحروب الهجينة، حيث عملت اللجنة الثورية العليا في صنعاء على تأسيس "اللجان الشعبية" كرديف لقوات الجيش الرسمية، وسبق اسم الجيش على اسم اللجان الشعبية في خطاب صنعاء، في عملية تشريع نشاط اللجان الشعبية باسم الجيش، وكان للمجاميع الشعبية دور بارز في المعارك التي تم خوضها في مواجهة العدوان، ومن مرحلة الصماد بدأت التوجهات في صنعاء لدمج القوات الشعبية مع قوات الجيش النظامية، وعلى عكس المليشيات التابعة للعدوان فاللجان الشعبية من حيث الهيكلية تميزت بالانضباط لقيادة مركزية واحدة، ومن حيث الجوهر فهي تقوم بجهود وطنية وإنسانية في الدفاع عن الإنسان والوطن اليمني، ولا تقوم بدور تخريبي لصالح قوى أجنبية. 

أترك تعليقاً

التعليقات