غريفيتث على إيقاع العدوان (١-٢)
 

أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -

غريفيتث، صاحب الضحكات الصفراء، آت إلى صنعاء، عائد من الرياض، خطيب في مجلس الأمن... هي حصيلة نشاطه في اليمن منذ تعيينه. سلسلة من الزيارات والإحاطات المتناسبة مع الأداء الحربي لتحالف العدوان في ميدان السياسة والعسكرة والاقتصاد. وزيارات فجائية إلى صنعاء كلما اتجهت الأحداث في غير مصلحة العدوان. وتعبيرات عن الأسى والخوف والإحباط والأمل... وإذا كان سلفه ولد الشيخ بدون شخصية مُستقلة يبيع خدماته إلى السعودية، فقد جاء غريفيتث حاملاً معه المشاريع والأطماع والخبرة الاستعمارية البريطانية.

يولي غريفيتث أهمية للفواعل الدولية أكثر من الفواعل المحلية، وخاصة في تقدير دور المملكة السعودية والسفراء، ويبدي تفاعله مع مخاوف حكومة هادي ويعتبرها "الشرعية" ويثني على جهودها في كل مرة يُشيد فيها باستجابة أنصار الله ويجعلهم في المرتبة الثانية.
في إحاطات العام 2019 (فبراير، أبريل، سبتمبر، أكتوبر، نوفمبر) أولى الأهمية المطلقة للأدوار التي يقوم بها الملك السعودي وولي عهده في الحلول الجزئية المتعلقة باتفاق جدة واتفاق الرياض، واعتبر ذلك مدخلاً لتعميم السلام في اليمن. 

لا يُمكن القول بأن غريفيتث يعمل على إنجازات معينة في مسار تصاعدي تراكمي تجاه السلام، فهو يعود في إحاطاته إلى نقاط الصفر في كثير من القضايا، كقضية الحل السياسي الشامل والأسرى والمنافذ وغيرها، ثم ترتفع الإيجابية فجأة في إحاطات أخرى، لتعود مجدداً إلى نقطة الصفر، والمسألة نفسها قائمة في الحديدة حيث الاتفاق الوحيد الذي أنجزه خلال عامين. 
تجاهلت إحاطات العام 2019 الحديث عن عملية سياسية شاملة كما كان الحديث عنها في العام 2018 فيما اقتصرت على الحديث عن الحلول الجزئية بين الانتقالي وحكومة هادي، وعلى خطوات التهدئة من قبل اليمن والسعودية. 

يستخدم غريفيتث لغة دبلوماسية مطاطية لا تعطي معنى محدداً يُصبح ملزماً به، ولا تختلف إحاطاته من شهر إلى آخر، فهو يتمسك بمفهوم أن "الحل السياسي هو الحل الوحيد"، لكنه يعجز عن أن يحدد لمجلس الأمن من هو الطرف الدولي أو المحلي الذي يعيق الوصول إلى هذا الاتفاق ومن أين البداية، ويعتبر الإشكال في المشاعر الذاتية للأطراف المتوجسة الخائفة التي لم تتعلم كيف تعمل بشكل مشترك.

في الجانب العسكري وخاصة الحديدة فهو يأخذ دور المراقب المحايد الذي يحيط مجلس الأمن بما يخشاه وما يحدث دون فاعلية له أو دور.
وفيما يتعلق بجوانب بناء الثقة والاقتصاد وفتح المطارات والأسرى والمرضى فإحاطاته تشهد تراجعاً، فما كان يعتبره في إحاطة حقاً أصيلاً لليمنيين كفتح المطار وأمراً يعمل على تحقيقه يصبح في إحاطة أُخرى جزءاً من قضايا سياسية يجب التفاوض حولها، ثم يعترف بعدم التوصل إلى اتفاق حولها، وفي بعض الأحيان يعتبر دخول الوقود أو الإفراج عن أسرى مما تعد قضايا إنسانية يعتبرها انتصارات سياسية ويحيط مجلس الأمن بها على هذا الأساس، ومثل العام 2019 مقارنة بالعام 2018 عام تجاهل فتح المنافذ ومطار صنعاء. 
 وفيما يتعلق بالقضية الجنوبية وقضية ومسألة المرأة فهي تأخذ مساراً تصاعدياً من اعتبارها أطرافاً مُستضعفة يجب الإصغاء إليها إلى اعتبارها أطرافاً حاسمة في صياغة الحل السياسي النهائي لا يُمكن تجاوزها. 

في إحاطات العام 2019 تضاعف حضور المسألة الجنوبية. تجاهل ذكر مفاهيم "قوى جنوبية"، "مجموعات جنوبية" كما هي العادة، وتحدث فقط عن "الانتقالي" كطرف مُسيطر رئيسي. أما مسألة المرأة فقد تطور الحديث عنها عما كان عليها سابقاً وتم الانتقال من الإصغاء لهن إلى العمل معهن وضرورة المشاركة. 

الحل السياسي الشامل 
في أول إحاطة له أبريل 2018 اعتبر أن "الحل السياسي متاح"، وكان عليه قول ذلك وإلا فلا مبرر لوجوده. وفي إحاطة أغسطس 2018 بعد أن بدأ بالعمل اعتبر أنه "لا يُمكن إنهاء الحرب بسرعة". وفي إحاطة سبتمبر 2018 صرح بأن عملية السلام أصبحت أكثر صعوبة. الإحاطة التالية في نوفمبر 2018 اعتقد بأن هناك فرصة لتسوية سياسية شاملة. وفي إحاطة ديسمبر 2018 ارتفعت المؤشرات الإيجابية لدى غريفيتث مع اتفاقية ديسمبر، وأعلن أن العملية السياسية لإيجاد حل شامل للنزاع قد استؤنفت.
في إحاطة فبراير 2019، اعتقد بأن تنفيذ المرحلة الأولى من إعادة الانتشار في الحديدة إذا تم سيكون بوابة الانطلاق إلى الحل السياسي الشامل. وفي إحاطة أبريل 2019 تحدث عن الحاجة إلى العمل على إحراز تقدم ملموس، وعن الحاجة إلى مشاورات جديدة من أجل العمل على الخطوط العريضة لتسوية نهائية، أي أن الحل السياسي الشامل متوقف عند نقطة الصفر. كما تحدث عن مسارات دولية للمفاوضات (المسار الثاني للسلام، بيرغوف...) ودورها في عملية السلام بحكم تجربتها وخبرتها في اليمن. 
في إحاطة سبتمبر 2019 التي تزامنت مع استهداف أرامكو ومع قصف العدوان لسجن ذمار، عاد إلى نقطة الصفر مجدداً، "فالتوتر والحرب والتصعيد والعنف هو ما نواجهه في اليمن". وفي إحاطة أكتوبر 2019 عاد إلى القضايا الجزئية مادحاً محمد بن سلمان والملك السعودي على المبادرة إلى اتفاق جدة. وارتفعت نسبة الإيجابية في احاطته مع إعلان صنعاء إيقاف استهداف السعودية بالطيران المسير والباليستية، إلّا أنه اعتبر الحالة هشة. 
في إحاطة نوفمبر 2019 استند إلى الحلول الجزئية المتمثلة في اتفاق الرياض مع رغبة في تعميمه معتبراً إياه "سيعمم السلام في اليمن" وعاد مجدداً للثناء على الملك السعودي وولي العهد، كما أبدى ارتياحاً لانخفاض وتيرة الحرب خلال الأسبوعين الماضيين من تقديمه الإحاطة واعتبر انخفاض وتيرة الحرب دليلا على أن القيادات بدأت ترى أفقاً للسلام. 

القوى الفاعلة في الحل السياسي 
في إحاطة أبريل 2018 اعتبر التوصل إلى اتفاقية رهناً باتفاق قيادات الأطراف اليمنية على إنهاء القتال وسحب وتسليم الأسلحة وتشكيل حكومة شراكة وطنية. في إحاطة أغسطس 2018 تجاهل الفواعل المحلية السابق ذكرها، وأكد أن الحل سيكون برعاية الأمم المتحدة وفق المرجعيات المعرفة: قرارات مجلس الأمن والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني اليمني. في إحاطة سبتمبر 2018 شعر بخيبة أمل حين عجز عن إيصال الوفد الوطني من صنعاء إلى جنيف حين أدرك أن الفواعل الدولية وأبرزها التحالف صاحب الإرادة الأولى. في إحاطة نوفمبر 2018 تزايد اهتمام غريفيتث بمحورية الفواعل الدولية، فقد اعتبر أنها من تقف خلف تجدد التزام الأطراف اليمنية بتسوية سياسية. وفي إحاطة ديسمبر 2018 بالتزامن مع إنجاز اتفاقية ستوكهولم، وجه الشكر إلى الأطراف الدولية ونسب إليها الفضل الأول في الاتفاق الذي تم إنجازه. 
في إحاطات العام 2019 (فبراير، أبريل، سبتمبر، أكتوبر، نوفمبر) أولى الأهمية المطلقة للأدوار التي يقوم بها الملك السعودي وولي العهد في الحلول الجزئية المتعلقة باتفاق جدة واتفاق الرياض، واعتبر ذلك مدخلاً لتعميم السلام في اليمن. وفيما ذكر صنعاء مرتين وأثنى عليها، فالملاحظ أنه تجاهل في مختلف هذه الإحاطات شكر "الحكومة الشرعية"، على عكس إحاطات العام 2018 أي أنه تعامل مع السعودية كطرف حاسم في معسكر قوى العدوان، وهذا يعود للانقلابات التي تمت على هادي في الجنوب من قبل الإمارات والانتقالي. 

المطارات والمنافذ
في إحاطة أبريل 2018 تحدث عن العمل مع الأطراف المحلية على فتح مطار صنعاء باعتبار ذلك حقاً أصيلاً للشعب اليمني ومرضاه في السفر وملاقاة أسرهم. تجاهل القضية في إحاطة نوفمبر. وفي إحاطة سبتمبر 2018 عاد إلى نقطة الصفر وتحدث عن العمل من أجل تحقيق تقدم ملموس في المسألة باعتبارها من ضمن إجراءات بناء الثقة، لا حقاً أصيلاً للشعب اليمني. تجاهل المسألة في إحاطة نوفمبر 2018. وفي إحاطة ديسمبر 2018 مع اتفاقية ستوكهولم اعترف بعدم التوصل إلى اتفاق حول فتح مطار صنعاء. 
مثل العام 2019 مقارنة بالعام 2018 عام تجاهل فتح المنافذ ومطار صنعاء، باستثناء ذكر إمكانية أن يؤدي حل ستوكهولم إلى حركة الأشخاص في المعابر الداخلية في تعز، وذلك في إحاطة فبراير 2019، وذكر هامشي ومن منطلق إنساني لا سياسي في إحاطة أبريل 2019 بأن السفن تواجه صعوبات في الوصول إلى ميناء الحديدة، فيما اعتبر في إحاطة أكتوبر 2019 أن الإفراج عن السفن المحتجزة بوارق أمل صغيرة جداًR36;R36;.

أترك تعليقاً

التعليقات