أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -

كغيرها من اللافتات استغلت «المسألة النسوية» للطعن في السُلطة الوطنية في صنعاء خدمةً للعدوان؛ وقد ظهرت طوال فترة الحرب العدوانية كثير من المسائل التي تم إثارتها وتسويقها كقضايا حقوقية ومظلوميات نسوية، وتوجيه السخط ضد المدافعين عن الوطن في ظل صمت مُخزٍ عن جرائم تحالف العدوان ومرتزقته بحق المرأة اليمنية. كما يتم العمل على خلق صورة ظلامية عن أنصار الله، تماثلهم بالجماعات المتطرفة، ليُبرر الموقف النسوي ضدهم، «كـ«أعداءً لحرية المرأة». 

في كثير من الأحيان يتم عن عمد الخلط بين الاضطرار الأمني الذي يُمارس في حالات خاصة تحت ضغط الواقع الأمني الذي يشهده البلد، وبين التوجهات العامة للسلطة الوطنية في صنعاء، وفي حالات أُخرى يتم اختلاق قصص كاذبة أو إعادة تأويل حوادث أمنية وجرائم جنائية تحوي عنصراً نسوياً، وفي غالب الأحيان يتم توجيه وضخ هذا الخطاب من عينة ناشطات يمنيات معروفات أصبحن مقيمات في دول أجنبية. 
وفي حالات أخرى هناك ناشطات حزبيات منتميات لأحزاب معينة يقفن مع العدوان، امتدادا للموقف السياسي الذي يتحزبن له، ولكنهن في النشاط الإعلامي التحريضي يُلبسن موقفهن السياسي هذا موقفاً أنثوياً ويتم تسويقه باعتباره حالة تعبير نسائية أنثوية مستقلة. 
 فمن على منصة المرأة، دخلت كثير من الناشطات -الزائفات في الانتماء لقضية المرأة الفعلية- في نشاط إعلامي سياسي واضح مساند للعدوان وموجه ضد السُلطة الوطنية في صنعاء، وغدت صفحات في وسائل التواصل الاجتماعية مخصصة للمرأة تتناول قضايا سياسية بحتة ذات مضمون يعادي القوى الوطنية المواجهة للعدوان. 
كما تستخدم وسائل الإعلام التابعة لتحالف العدوان مفهوم "ناشطات" في أخبار ملفقة معادية، وتنسب إلى هذا المفهوم المجرد غير المحدد التأكيد والإشارة والشهادة والتحليل والتوضيح، إلى آخر المصطلحات الصحفية التي تغني الخبر وتضفي عليه المصداقية والموثوقية! 

المرأة سلعة الليبرالي والوهابي! 
تسود في العصر الراهن نظرتان مختلفتان في الظاهر ولكن تلتقيان في نهاية التحليل وتتفقان في الجوهر. النظرة الأولى كما هي لدى الليبراليين (وهي النظرة الغالبة على الناشطات الحقوقيات في اليمن) ترى في المرأة كائناً له قضايا خاصة غايتها الحرية الفردية المنحدرة إلى تقديم المرأة كسلعة للمتعة تُشترى وتباع، وفق المذهب الرأسمالي. لهذا نرى المرأة في الإعلانات التجارية تستخدم كعنصر جذب جنسي للسلع الاستهلاكية. وهذه الأنظمة الغربية التي تدعم جهود "الناشطات" هي في الوقت ذاته تقهر وتضطهد المرأة العاملة في بلدان الغرب، وتقتل المرأة اليمنية بالقصف والحصار والأوبئة. 
النظرة الثانية هي الغالبة لدى الفكر الاسلامي السلفي الوهابي، الذي يحجب المرأة عن الأنظار، بعيداً عن النشاط الاجتماعي، ويحتفظ بها ليتمتع بها كجارية (كائن جنسي) خُلقت من أجل متعة الرجل. ووصل التطرف في هذا الفكر إلى القول بجواز أن يأكل الرجل زوجته إذا جاع (كما قال مفتي المملكة) أو تجريم أن يجلس الأب مع بناته دون وجود محرم (كما قال العريفي)، فيغطي صاحب هذا الفكر حتى الفتيات الصغيرات بملابس تشبه الخيام إذ يشعر أنها تثير غرائزه، فتبدو المرأة في نهاية التحليل لدى هؤلاء سلعة جنسية يجب تغطيتها، كما يراها الليبراليون الذين يعرونها. 

كيف تتجلى قضية المرأة لدى "الناشطات" 
هناك انفصام بين واقع المرأة اليمنية وبين أغلب الناشطات في الحقل الحقوقي السياسي الإعلامي، انفصام مرده إلى الاختلافات في الحياة اليومية بين "الناشطات" وبين عامة نساء اليمن. والأمر الآخر منشؤه الفهم الغربي لقضية المرأة، خاصة وأن غالبية الناشطات في حقل حقوق المرأة تلقين مفهوم "قضية المرأة" من فعاليات ودورات تدريبية وورش عمل غربية التمويل والمناهج (أمريكية أوروبية) وعلى يد مدربين وخبراء غربيين أو مدربين يمنيين درسوا في الدول الغربية، فأخذوا عنهم قضية المرأة وفق الفهم الغربي, مما أدى إلى تشويه مفهوم قضية المرأة وحرفه عن مدلوله الموضوعي المحدد تاريخيا. وفي هذه المقاربة عن قضية المرأة حين نستخدم مفهوم "ناشطات" نقصد ذوات المنهج الليبرالي الغربي في فهم القضية، لأنه توجد في الواقع اليمني ناشطات بل ومناضلات نسويات -على قلتهن- لهن نظرة مغايرة للنظرة الغربية وأكثر واقعية وملامسة للواقع اليمني وأكثر صدقاً وإنسانية في الدفاع عن المرأة. 
قضية المرأة وفق تلك النوعية من الناشطات هي قضية حريات اجتماعية مدنية ترفية وترفيهية، تتناسب مع واقع حياة شريحة من النساء من سكان عواصم المدن ومن المقتدرات ماليا للتمتع بهذه "الحقوق" والخدمات. وهؤلاء الشريحة من النساء تختلف تطلعاتهن وحقوقهن عن حقوق غالبية نساء اليمن ممن يفتقرن إلى الحقوق الأساسية للعيش الكريم ومن المقهورات والمضطهدات والممنوعات من الحقوق الأساسية التي فرضتها الشريعة الإسلامية وأقرتها القوانين النافذة.
فنجد أن هؤلاء الناشطات يُسقطن فهمهن الغربي وتطلعات الشريحة الميسورة -المتبرجزة وفق المفهوم الماركسي الكلاسيكي- على قضية المرأة، فلا امرأة إلا ما ترى أعينهن، إذ يحصرن المرأة على المرأة التي تتفق مع موقفهن الثقافي السياسي الليبرالي الغربي السائد في أروقة المنظمات التابعة للأمم المتحدة من ذوات الاهتمام بالمسألة النسوية، وتخرج عن دائرة المرأة وفق تصنيفهن وفهمهن -غير الموضوعي- المرأة الكادحة والعاملة والفلاحة والموظفة والراعية والأمية التي لا تقرأ والفقيرة والمتسولة والمرأة التي لها موقف ثقافي وسياسي لا يتفق مع النهج الليبرالي ويتصادم مع فلسفة العولمة وتوصيات هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الغربية الداعمة لنشاطهن.
 وفي واقع الحال فإن النساء الكادحات -ممن تنكر عليهن الناشطات صفة امرأة- هن اليوم أحد أسرار صمود الشعب في مواجهة العدوان، لا يُمكن الاستغناء عن أدوارهن. أما الناشطات فإذا أغلقن صفحاتهن على وسائل التواصل الاجتماعية لن يتخلخل صمود الشعب، ولن تتوقف حركة الحياة. 

تحرير شعر المرأة! 
 مسألة خلع الحجاب تظهر لدى تلك النوعية من الناشطات كإحدى أبرز قضايا المرأة اليمنية، ولا يألين جهداً في الدفاع عن هذه المسألة، التي هي في نهاية الأمر قضية شخصية فردية تختلف حيثياتها من امرأة إلى أخرى، لا قضية نسوية عامة ولا قضية ديمقراطية شعبية، فالحجاب في المجتمع اليمني ليس مفروضاً قسرا وجبراً من قبل الدولة فتصبح معارضته معارضة سياسية (الحكومة الإسلامية)، بل على العكس نجد أن غالبية اليمنيات يرتدين اللثام الذي ليس له أي إلزامية شرعية إسلامية.
وفق هذا الواقع فإن مسألة "تحرير شعر المرأة" لا تكتسب أي مضمون ديمقراطي، ولا يمكن أن يطلق عليها قضية. والغريب في الأمر أن من يطرحن مسألة نزع الحجاب هُن مِمن نزعنه مسبقاً، أي أنهن يطرحن المسألة كمسألة تبشيرية، ولا تُطرح من قبل نساء يُردن نزع الحجاب فيجدن قمعاً حكومياً وقسرا لارتدائه. وطرح قضية نزع الحجاب كقضية نسوية يعد تحريفاً لقضية المرأة وإبعاد النساء عن معرفة حقيقة قضيتهن الموضوعية الحقوق الأشد إلحاحاً، ومشروعية دينية وقانونية وموضوعية تاريخية متناسبة مع مستوى التطور العام. 

مسألة الاختلاط! 
مؤخراً ظهرت مسألة الاختلاط كإحدى "قضايا المرأة"، وحصلت هذه المسألة على دعم واسع من قبل الناشطات من داخل البلد وخارجه.
ونود الإشارة إلى أن الاختلاط في الأماكن العامة كالكافيهات لا ينطبق عليه مفهوم "الخلوة" الذي نهى عنه التشريع الإسلامي. كما نشير أيضاً إلى أن الحق في الاختلاط الذي يتم إثارته ليس جلوس الأسر في متنفسات عامة، فهذه الجلسات الأسرية موجودة من السابق ولا تلقى أي معارضة، ولا اختلاط العمال والعاملات والموظفين في حقول العمل والتعليم والإنتاج والأسواق والحياة العامة، فهذا الاختلاط موجود، فالاختلاط الذي يتم الدفاع عنه هو جلوس من لا تربطهم روابط القرابة والمصاهرة كالأصدقاء والعشاق والزملاء، في الحدائق والكافيهات وغيرها، ليس للعمل بل للترفيه. 
حالة الاختلاط هذه التي يتم الدفاع عنها، وإذا افترضنا فيها الطهارة ونقاء السريرة وعدم وجود ما يشوبها من أنشطة عدوانية أمنية أو إفسادية موجهة، حتى في هذه الحالة فإن الاختلاط هذا لا يدخل ضمن حقوق المرأة، ولا يدخل ضمن القضايا النسوية، فرفع شعار "الحق في الاختلاط" هو شعار ليبرالي يمثل مصالح شريحة خاصة من المجتمع المدني. 
فهذه المسألة لا تعد حاجة ضرورية ملحة للنساء اليمنيات لترفع كقضية. كما أن قضية الاختلاط ضمن المضمون (الترفيهي) ليست قضية تتوقف عليها قضية التطور والتقدم الاجتماعي، بل إن هذا النوع من الاختلاط هو نتيجة عملية التحديث في البنية الاقتصادية الاجتماعية، لا صانعاً لها. فالاختلاط المطلوب والضروري المنضبط أيضاً هو الاختلاط في أجواء العمل وفي حقول الإنتاج والحياة العامة، وهو ملح لعملية البناء والإنتاج والتطوير والتقدم العام. مثل هذا الاختلاط العملي موجود في المجتمع اليمني من قبل مجيء الوهابية وبرغمها. وهذا الاختلاط المشروع العملي ما زال يلقى معارضة من بعض التجمعات السكانية المحافظة. والملاحظ أن الناشطات لا يناصرن الاختلاط العملي المشروع الذي في استمرار حظره حرمان للمرأة من التعليم والعمل، بل يدعين إلى الاختلاط الترفيهي لمن امتلكن حق التعليم والعمل، ويسمين دعوتهن الأخيرة هذه قضية نسوية!
وجدير بالذكر أن الاختلاط غير المنضبط في العالم الغربي، والحرية الفردية غير المقيمة أخلاقياً، تهدم الأسرة في المجتمعات الغربية. وهناك إحصائيات مهولة عن حالات الإجهاض والعزوف عن الزواج والاعتداءات الجنسية والميول إلى الشذوذ واستغلال المرأة كسلعة في الدعارة والأندية. كل هذه القضايا تجعل علماء الاجتماع الغربيين يُطلقون صافرات الإنذار من المخاطر التي تتهدد مجتمعاتهم وتجعلهم يُعيدون النظر في كثير من المسائل التي كانت تعد ضمن الحقوق الفردية ولا يجوز المساس بها. 

أترك تعليقاً

التعليقات